بل شك أن الرأفة والرحمة هى الثمة العظيمة والأقوى لدى الحكام والإحساس بالآخرين، وهى من أسمى وأرقى وأرفع المشاعر الإنسانية التي تدحض مبادئ الأنانية، والمنفعة الشخصية، فالشعور بالآخرين من عامة (الشعوب - الشعب) لابد أن تكون مراعاة اهتمام بمتطلباتهم واحتياجاتهم الذاتية. فكلما توافرت هذه السمات الراقية في (المجتمعات - المجتمع) وتغلبت على المصالح الشخصية، فيعيش المواطن منشد بوطنه ومجتمعه مؤسساً علاقات قوامها البذل والعطاء والراحة والرخاء والأمن والأمان. ... والإنسانية تشهد بأن (الحكام - الحاكم) يعد نموذجاً رفيعاً للإنسان المواطن الطيب المتواضع اللين الجانب، الرحيم بالشعب والناس، السليم من تلك العلل والتطلع والكبر والمنافع الشخصية، وهو الذي يرسم ويرى صورة الكبير على أنه أباً ويرى صورة الصغير على أنه ابناً والباقين من عامة الشعب هم أخوة فيقول الله تعالى: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً)، فإن صبغة الحياة تقوم على البساطة والحب، لذلك نرى أن الغرب حقق حضارة إنسانية في فن الحكم والآن وصل الغرب إلى ما وصل إليه من حرية. أما نحن هنا في الشرق فقد منحنا الله عز وجل الحكم هدية من السماء وليتهم قدروا ما نالوا وصانوه! لقد دهرت الإنسانية في سوريا وأصبح الحي كأنه ميت، تعاني انتشار الفقر وفجوة الإهمال على المستوى الوطني، ازداد الأمر سوءاً في جميع أنحاء البلاد (نتيجة للحروب الداخلية بمساعدة خارجية) وارتفعت الأسعار واهملت الخدمات، وارتفع معدل البطالة كما ازداد الحال في عدد النازحين - اللاجئين الذين فقدوا ممتلكاتهم والانكماش الاقتصادي، فإن انتشار الفقر في سوريا قد وصل إلى مستويات كارثية مما جعل البعض منهم يهاجر إلى بلد آخر آمن. تعيش سوريا وشعبها مأساة كبيرة وواحدة من أكثر النزاعات المأسوية الداخلية سواء من ألماً أو عنف، فالنزاع المسلح تسبب وسبب تحول مأسوي دموي في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، لقد خسرت سوريا كثيراً من الأنفس البشرية وتنميتها البشرية أيضاً مما جعل أكثر من حوالي 2 مليون شخص غادروا البلاد كلاجئين إلى بلاد أخرى حيث الأمن والأمان، وهذا كله بسبب عدم التفاوض والجلوس على مائدة الحوار هوناً ووقاراً، لكن قهرت القوى السياسية على الاستبداد والعصبية والأصولية، مما جعل المجتمع المدني يعيش حالة من الخسائر في الأرواح والاقتصاد والتشرد، مما جعل التفاقم والتفاوت الاجتماعي والتهميش الذي تجسد في فقدان الملايين لمساكنهم وأعمالهم والبعض الآخر منهم يسعى في مصادر الرزق كي يكابدون لتأمين بقائهم على قيد الحياة. لقد انفصل أطفال سوريا عن ذويهم ووالديهم وأقاربهم مما جعلهم لاجئين إلى الأردن ولبنان ومصر، فقد يكون الأبوان لقيا مصرعهما أو إحتجزا أو أرسلا للتجنيد العسكري، مما يجعل بعض الآباء إرسال أبنائهم إلى أماكن بعيدة للعثور على عمل ومكان للعيش، فقد تسعى بعض السلطات الأردنية واللبنانية مع منظمة اليونيسيف لوضع ترتيبات بديلة للرعاية داخل مخيم اللاجئين وقد يتم تطبيق معايير من أجل تحديد العائلات المؤهلة ومراقبتها. لذلك فإن حسن ضيافة اللاجئين تعتبر حالة وسمة إنسانية من سمات الثقافة العربية. ... فالشعب السوري .. الحي .. الميت، أصبح يشعر بالبؤس والعزلة وعدم الأمن والأمان والأطفال الذين يأسوا من حياتهم ومستقبلهم نتيجة للصراع الدائر داخل بلادهم مما جعلهم يشعرون بالخسائر الفادحة سواء على المستوى البدني أو النفسي لديهم، فقد شهدوا رعباً مخيفاً وعنيفاً لا يمكن وصفه، لقد دمرت القذائف والصواريخ منازلهم ومجتمعاتهم ومدارسهم وفقد أصدقاؤهم وأفراد عائلاتهم في بعض الأوقات أمام أعينهم مما جعلهم يشعرون بالخوف والفزع حتى في البلاد التي لجأوا إليها. فهل ينبغي التأكد على أن العوامل الداخلية في أي بلد تبقى هى الحاسمة داخل البلاد؟ لذلك مهما تكن القدرات لبعض الدول الخارجية بأن تلعب دوراً كبيراً في سوريا فإن رؤيتها للأحداث ليست هى القدر المحتوم الذي يتعين قبوله أو إنتظاره، فالمجتمع السوري لابد أن يحدد ثقته بنفسه من جهة والقيام بمسؤوليته في قيادة الشأن السياسي والعسكري، مستنداً على الاستفادة من الأخطاء التي حدثت وتحدث الآن وتلاشيها في سبيل أن المجتمع السوري يستطيع أن يترابط ويتلاحم ويتكاتف من جديد لكي يبني مجتمع أفضل. ... دون شك إن الإصلاح والصلاح النظامي السياسي والاقتصادي يفرض نفسه ويعد اليوم الرئيس السوري هو ضرورة حتمية استراتيجية اليوم لوجود مؤسسات تضامنية للعمل على إيجاد حلول من هذا المأزق الصعب في سوريا وضرورة لسلامة البلاد والجلوس من جديد مع المعارضة والتفاهم ونبذ الخلافات بكل شفافية ومصداقية ورقي والعمل على البناء من جديد والنظر بعين الاعتبار إلى الشعب السوري الذي عانى الكثير وعانى المر، فقد فقدت كثير من العائلات ابنائهم، بل فقد الآبناء آبائهم أيضاً، فالضرورة هنا تحتم وتوجب على الرئيس أن يلم كل الطوائف من الشعب والأحزاب ويحتضن من جديد ويعوضهم عن ما فات من آلام وقهر وعذاب وخوف وعدم أمان بالراحة والاستقرار، فهذا هو عمل القائد الذي يخاف على شعبه، فالرئيس بشار عليه دور كبير وفعّال في بناء المجتمع من جديد. فالننظر جميعاً أين ذهب حافظ الأسد، وجمال عبدالناصر، والملك حسين والملك عبدالله.... إلخ؟ أين هم الآن؟ ماذا أخذوا معهم؟ وكيف تركوا بلادهم؟ فعلينا جميعاً أن نعتبر ونتعظ ونخلد إلى نعمة الشعوب وتجميعهم لا تفريقهم، فالأوطان باقية، لكن الكل راحل لا محال. فلابد أن المسؤولين عن الشعوب والأوطان أن يتركوا سيرة عطرة مفعمة بعطر الوطن كي يتذكرهم الأجيال القادمة وحتى لا تعيش شعوب حية كأنها أموات.
|