المال العام وشعارات الحرص عليه

 

     في حقب ماضية هناك مفردات كان تداولها نادرا في مجتمعنا، ولكن، اعتاد العراقيون على سماعها خلال العقد المنصرم، من تلك المفردات (اختلاس) او (تلاعب بالمال العام) إذ لطالما جرتا على مسامعنا، لاسيما في عصر الانفتاح والديمقراطية والحرية بأشكالها وأصنافها التي انهالت على العراقيين كالمطر، بعد عام السعد 2003. وبمجرد سماعها تتبادر الى أذهاننا بضعة أسماء لأشخاص تبوأوا مناصب او مواقع وظيفية، سوّلت لهم انفسهم من خلالها خيانة الشرف والضمير والمبادئ، فكان لهم نصيب وافر في أشياء عدة. وأول ماكان لهم من ذاك النصيب هو قيمة من المال غير المشروع لم يكونوا يحلمون به، حيث تمتعوا بحصة الأسد منه بانواعه كافة من العملات المحلية والأجنبية والصعبة، فضلا عن الذهب بأشكاله ومسكوكاته الخالصة، فاقت بمجموعها عند البعض ميزانيات دول مجتمعة. وبطبيعة الحال أثمرت و(فرّخت) تلك الأموال في ليلة وضحاها، عقارات وفللا وشركات داخل العراق وخارجه، بمباركة البنوك العالمية التي لايدخل ضمن حساباتها سؤال؛ (من أين لك هذا؟!) لعملائها وأصحاب الأموال المستثمرين لديها. 

  وثاني ماتحقق لهم من ذاك النصيب هو وفرة الداعمين لهم والـ (حبايب) من المتنفذين والمسؤولين في مفاصل الدولة، فالأخيرون محتاجون الى من يسندهم بالمال ويساندهم بالأصوات، لاسيما مع قرب موسم الانتخابات، لديمومة النفوذ والمنصب، فنراهم والأولين (دهن ودبس) فيما لو كان الظرف يصبّ بالمصلحة الشخصية، اما لو كُشف أمر المختلسين فسيكونون وإياهم (حيّة وبطنج) ويعلنون البراء منهم ومن كل متلاعب بالمال العام فهم شرفاء (من الوريد للوريد).

  اما النصيب الثالث الذي لايُحسَد المختلِسون عليه، هو الشهرة في وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة، التي تلقي الضوء على ما تكشفه لجان رقابية مختصة في حالات كهذه، حيث تسلط عليهم الأضواء في بداية كل نشرة أخبار، كذلك تظهر أسماؤهم بالـ (مانشيت العريض) في واجهات الصفحات الأولى للصحف الرسمية وغير الرسمية. اما مقياس هذه الشهرة فله شبه كبير بمقياس (رختر) لقياس شدة الزلازل، حيث يرتفع المؤشر فيه طرديا مع شدة الزلزال، كذلك كلما زاد المبلغ المختلَس ازدادت مؤشرات الأخبار و (سبتايتلاتها) وبسينوغرافيا عالية، ذاكرة ومذكرة بهذا أسماء مرتكبيها. فمن يختلس عشرة او عشرين مليونا، له من نصيب الإعلام النسيان، اما اختلاس الملياريات، فلمرتكبها قدر كبير من الإعلام والإهتمام، حيث تخصص لجريمته ساعات إخبارية وحلقات لسرد تفاصيل عمليته، بل قد يصدر كتاب خاص عن قضية اختلاس مثل الكتاب الذي صدر عن هيئة النزاهة عن قضية المدانة (زينة سعود) باختلاسها مبلغ ( 12.500.000.000 ) دينار من أمانة بغداد، ومقامي هذا لايكفي لذكر باقي الأسماء التي تعج بها ملفات القضاء والنزاهة، التي يبدو انها تتناسل في بلد الحضارات. 

  هو شيء رائع أن يشهّر بالمدان ويعلن عن جرائمه على الملأ، ولكن الأمر غير الرائع بتاتا هو الإغفال عنه في بداية أمره من قبل الجهات المسؤولة، بل السماح له بارتكاب ماشاء من سرقات على مستويات عالية الى حين معلوم لديهم، وعلى الأرجح أن الحين هذا يحدده مدى استفادة تلك الجهات من حصيلة عمليات السارق، حتى إذا اختلفوا ولم يعد يفيهم بما مطلوب، يكشفون سرقاته تحت شعار الحرص على الأموال العامة، وعلى طاولات عدة، أولها النزاهة، ثانيها المفتشية، وثالثها ورابعها طاولات تُظهر فوقها أمرا يخالف ماتحتها، وبذا يذهب السارق الى مساومات جديدة تحت طاولات القضاء هي الأخرى بدورها جديدة، يضمن بعدها خروجه كشعرة من عجين. وفي الأحوال كلها، يمضي السارق دونما حساب او عقاب، بل قد يكون الثواب مكافأة وجزاءً له، والأمثلة على هذا كثيرة.

aliali6212g@gmail.com