احمد وحيد.. بقلم/ محمد غازي الاخرس


العراق تايمز: كتب محمد غازي الاخرس

أي والله، هو ذا من كنت أنتظر منذ أن اختفى “كناس الشوارع”. أعنيه ولا أخطأه، أحمد وحيد الذي يشبه جورج كلوني، لكن بسحنة بصرية تمتزج فيها الطيبة بالعمق والحدة بالترافة. 

أما “كناس الشوارع” الذي ذكرني به وحيد فهو ميخائيل تيسي، الكاتب الذي سبق عصره بقرن، وكان أقرب ما يكون لتشارلي شابلن العراق، ولكن في مجال الصحافة الورقية، لا السينما. صاحبنا البصري، وحيد، يشبه “تيسي”، ولست أتمنى أن يكون مصيره “تيسي فيسي” كمصير ذلك العبقري، المولود عام 1885 والمتوفى عام 1966. المؤسف إنه ترك الصحافة باكرا بعد تلقيه عقوبة رادعة من المجتمع حين أطلق أحدهم النار عليه وكاد يقتله لولا ستر الباري. والسبب كما قيل أنه ترجم أو ألف كتابا تجرأ فيه على العقل الديني. 

نشط ميخائيل بداية العشرينيات ووقع باسم “كناس الشوارع”، وكان ذا مزاج جاحظي وعمق شابلني. وأول عهده بالكنس أن كتب معرفا الجمهور بفلسفته “أحمل مكنستي وآخذ أتجول في الطرق والأزقة، فحيثما رأيت أحداً يأتي أمراً مخالفاً للذوق والشم والنظام والقانون والكمنجة، ضربته بمكنسة كافرة على رأسه، فإن انكسرت المكنسة راحت من كيسي، وإن انكسر رأسه راح من كيسه”. ولمن يريد قراءة المزيد عنه فليعد للكتاب الرائع الذي ألفه الأستاذ جميل الجبوري عن “حبزبوز” وفيه وقفة مطولة عن “تيسي” بوصفه رائد الكتابة الساخرة في العراق.

ما يفعله أحمد وحيد، منذ بعض الوقت، قريب من هذا ربما. هو انطلق أولا من مشروع مسرحي أسماه “ستاند آب كوميدي”، وقدم فيه عروضا مبهرة صارت حديث الشارع في البصرة. ثم أتبعه بمشروع “مسموطة” على السوشيال ميديا الذي انفتح فيه على أفق البلاد كلها. ومنه التقطته إحدى القنوات ليكون ضيفها أسبوعيا. 

المهم أن صاحبنا العميق، مثل “تيسي”، أعلن عن برنامجه مرتين، دعكم من الأولى وانظروا معي إلى الثانية. إنه إعلان لا يستغرق أكثر من ثلاثين ثانية بعمر الزمن لكنه يختصر دهرا بعمر الأفكار. 

بل يتفوق في بلاغة رسالته على مئات البرامج الساذجة التي نراها يوميا؛ يظهر أحمد وحيد مرتديا بذلة مدنية، ثم ينظر إلى الإعلى مرعوبا، فيظهر هو ضخم جدا وقد ارتدى ملابس عسكرية لفصيل مسلح من خارج الدولة وبيده رشاشة، ثم ينظر هذا الأخير للأعلى فيرتعب مما يرى وإذا هو نفسه وقد صار عملاقا بدشداشة عشائرية وبيده سلاح أيضا. وما إن تستقر الصورة عليه حتى ينظر إلى لأعلى فيرتعب. ماذا يرى يا ترى؟ إنه يرى يدا عملاقة تتلاعب بمسبحة! تكثيف ما بعده تكثيف. 

إنه أحمد وحيد الذي انتظرته طويلا، يا أهلا به وبمكنسته الجديدة.