ذي قار من التاريخ والحضارة إلى الحرمان والإهمال

 

تمتد جذور محافظة ذي قار العراقية, لتضرب في التاريخ البعيد, فهي من أوائل المناطق التي عُرِفت على وجه الأرض, وفيها وِلِدَ أول تجمع بشري شهدته البسيطة, فكانت قرية أريدو القرية الأولى في الكون.

من ذي قار انطلق الحرف, وفيها إِبتَدَع الإنسان الكتابة, وأسس العلوم, ليشع إلى باقي أرجاء المعمورة, وتطورت بفضل المنظومة المعرفية, لتشهد ولادة ممالك ملئت الدنيا, وصارت قبلة للقاصدين, فكانت حضارة أور وأكد وسومر, بداية سلالات المدنية الأرضية, وعلى أرضها بنيت الشواهد العملاقة, التي مازالت ماثلة ليومنا هذا كزقورة أور.

مشهد القداسة لم يَغِبْ عن ذي قار, ففيها ولد أبو الأنبياء, نبي الله إبراهيم عليه السلام, ومنها انطلق في تبليغ رسالته, وفيها حط الإمام علي عليه السلام رحاله, وقام مصليا فيها.

الشجاعة مشهد آخر, وسمة لا يدانيها أحد بها, فأهوارها شاهد على بطولات أبناءها, حتى أصبحت ذي قار حجر العثرة أمام الأنظمة المتعاقبة, وفي التاريخ الحديث كانت ذي قار غصة في حلق العثمانيين, وتلاهم البريطانيين, ومن ثم الحكومات الظالمة بعد إستقلال العراق, إنتهاءا بعهد المقبور صدام البعثي.

عانت ذي قار من الظلم والاضطهاد والحرمان, في ظل هذه الحكومات المتعاقبة, وشهدت أبشع صور الظلم ابان حكم البعث, لكن أبناء ذي قار لم ينثنوا فكانوا عشاقا للتضحية, يحملون سلاحهم لمقارعة النظام البعثي الصدامي, وكانت أهوار ذي قار حاضنة لكل الحركات والأحزاب المعارضة للبعث.

بعد سقوط حكم البعث وصدام, ومع تنفس هواء الحرية, وتغير المعادلة, وصعود الأحزاب المعارضة, التي كانت في تتخذ من الأهوار مقرات لها, لم تتغير الأوضاع في ذي قار كثيرا, صحيح إن بعض المشاريع أقيمت, لكنها لا ترقى إلى مكانة هذه المحافظة العريقة.

ذي قار وحسب الاحصاءات الرسمية, تحتل المرتبة الأولى في البطالة في العراق, وكذلك الأولى أو الثانية على خط الفقر, كما إنها تعاني التهميش السياسي والتنفيذي, رغم إنها رابع ثقل برلماني, فلا وزير ولا وكيل وزير من هذه المحافظة, بل الأمر تعدى إلى إن بعض الأحزاب بدأت بفرض مرشحين ليسوا من ذي قار ووصلوا للبرلمان بأصوات أهلها.

محافظتنا الحبيبة تمتلك ثاني أكبر ثروة نفطية في البلد بعد البصرة, لكن المشاريع النفطية فيها هامشية, فلا إسثمار جيد, ولا شركات عملاقة تعمل في حقولها, وكأنها وضعت في خانة النسيان.

في محاربة داعش, بعد الفتوى التاريخية لمرجعية النجف, كانت ذي قار في طليعة الملبين للفتوى, وتصدرت مدن العراق بعدد الشهداء, وشكَّل أبناءها الغالبية في فصائل الحشد المختلفة.

محافظة ذي قار وجه العراق المشرق, فهي مدينة الأدب والشعر, والثقافة والتاريخ, والجهاد والتضحية, وعلى القائمين على الحكم في العراق, أن ينصفوا هذه المحافظة الولود المعطاء في كل شيء وأن لا يبخسوها مكانتها.