تكريسُ المُكّرَس!!

 

يتعرّض العرب لهجمة خفية مبرمجة متوثبة حامية فتاكة غاشمة , غايتها الأساسية تقضي بتكريس المكرس وتدمير ما هو صالح.

وذلك بأساليب نفسية مدروسة , وطرح يسعى إلى زعزعة العقل وإرتجاج المفاهيم  , وزرع ما هو مطلوب في النفوس , لكي يتحقق السلوك المرغوب به , والذي يؤكد المصالح ويساند الخطط والبرامج المستترة والمعلومة.

وهذا المنهج قد فعل فعله في المجتمع على مدى القرن العشرين , ولا يزال فاعلا ومدمرا.

وبعد الذي حصل , وما أصاب الوعي من تغيرات وتنوير وفهم وإطلاع , وإحساس بالمسؤولية وضرورة الفعل والعمل.

وبعد أن إستعاد العرب الشعور بقدرة التغيير وتأكيد الذات , فأن الأساليب اللازمة لتكريس المرتكزات الضرورية لخدمة المصالح ,  لا بد لها أن تتغير أيضا , لتتواكب مع المتغيرات والتفاعلات الجديدة.

فعلى سبيل المثال المناداة بالديمقراطية , ستتحول إلى نقمة أكبر من نقمة الإستبداد.

 لأن الديمقراطية الحقيقية تعني إطلاق الطاقات وتنامي القدرات , وتقدم البلاد والعباد , والإستثمار الوطني للثروات.

وهذا لا يتفق والمصالح والمطامع الأخرى المعروفة , ولهذا لا بد أن تتحول الديمقراطية إلى نقمة , ولا يجوز أن تكون نعمة.

وبما أن الدين  تصدّر الحركة وتزايد عدد اللحى في مجالس الشعب المُنتخبة , فأن الدين لا بد له أن يكون الأسلوب الجديد لتدمير المدّمر , وتقسيم المقسّم وتخريب المخرّب , وإضعاف الضعيف وتوفير المناخات الملائمة لإهلاك الناس ببعضهم .

وما يجري اليوم هو سياسات قاسية , لتحقيق أعلى درجات الدمار والفتك بالمجتمعات العربية كافة , ولن ينجو مجتمع واحد من المأساة , ذلك أنها قد أهّلت من أبنائها مَن يكونون قادرين للعمل ضدها , وتحقيق الظروف المناسبة لتفتيت البلاد وتشريد العباد.

وفي هذه المأساة سيكون النزيف العربي عاليا وغاليا.

والمسيرة في القرن الحادي والعشرين تقهقرا سريعا إلى الوراء , وأقسى من مسيرة القرن الذي سبقه , حيث تأسّن العرب فيه وتم أسرهم في معنقلات الأوطان.

واليوم المصالح تقتضي , أن تتحول الأوطان إلى ميادين قتال ما بين أبناء الوطن الواحد.

وذلك بضخ التوصيفات والمسميات , وتعزيزها بطاقات إنفعالية لازمة لتخندقها وتموضعها في كينونات , لا تعرف إلا التناطح الشديد , ولا تسمح لصوت العقل والتفاعل الوطني الإيجابي.

لأن الوطن سيتم نسفه ومسحه من أعماق الوعي العربي.

وسيكون موطن الإنسان , أوصالَ الوطن والفئة والمذهب والطائفة والشرذمة والعصابة , وما يتصل بها من التكتلات,  الرامية إلى تحقيق أعلى درجات التمزق والتقاتل والتصارع الدامي المتواصل , حتى نهاية عصر النفط!!