في العراق فقط, المدربون لا يدربون

 
قبل أيام جاءتني رسالة محزنة من صديقي علي سهيل, المشرف العام على مدرسة ناطق هاشم للبراعم, في منطقة حي العامل, يشرح فيها ما يعانيه من الم وحسرة, نتيجة تبخر حلمه, حيث أكمل دورات عديدة, إقامتها المدارس الكروية المتخصصة بالتدريب, وبأشراف الاتحاد العراقي, ليكون مدرب معترف به للفئات العمرية, بعد الحصول على الشهادات التي تؤهله للتدريب, وكانت سعادته كبيرة حيث حقق حلمه بعد جهد وتعب كبير,والنتيجة حصل عليها تحت أشراف عمالقة التدريب في العراق, لكن يبدو أن الأندية أبوابها لا تفتح للكفاءات, بل لنوع آخر من المدربين.
وبعد مطالبة الأصدقاء والرياضيين مني بالكتابة عن ما يعانوه قررت أن اكتب هذه السطور.
مشاكل منظومة الكرة في العراق, هي نفس مشاكل مؤسسات الدولة, وهي الفساد, والعلاقات, والرشاوى, وتدخل الأحزاب, ويمكن تفكيك المشكلة لفهم طبيعة الأزمة, وعندما من الممكن المعالجة.
 
●الخلل يكمن في اتحاد الكرة
تعيش الكرة العراقية بكل مفاصلها نوع من الفوضى العجيبة, التي تجعلنا لا نستشعر أي أمل بالغد, فهناك مجموعة من الطارئين والغرباء عن الرياضة, ممن تسلقوا المناصب, وبعض  اللاعبين الفاشلين ممن لم يكن لهم أي ذكر, فجاء أزاحوا النجوم, وصعدوا الى مواقع المسؤولية, وليتكون لنا كيان ضعيف يسيطر عليه الفساد والجهل, كحال اغلب مؤسسات الدولة, وهذا الاتحاد جعل الأمور كلها تجري بالمقلوب عكس ما يجب أن يحصل.
قضية مدربي الفئات العمرية هي الأساس لبناء قاعدة رصينة تعطينا الذهب في المستقبل, لكن بسبب غياب الرؤية البعيدة والجهل المطبق للاتحاد, تم تجاهل الفئات العمري لعشر سنوات تقريبا,وحصل إقصاء غريب للكفاءات المتخصصة بالعمل مع الفئات العمرية, وتجاهل للشباب الذي يملكون الشهادة والمؤهل والخبرة, والتي تسمح لهم بتدريب الفئات, وتم أبدالهم بمجموعة أسماء تفتقد لكل شيء فقد تملك العلاقات والواسطة,مما تسبب بانحدار مخيف لمنظومة الكرة العراقية.
 
●الأندية تدار من قبل من لا يستحقون
من اكبر المعوقات التي تواجه النهضة, التي يتمناها كل عراقي, هي إدارات الأندية العراقية, التي جاء اغلبهم عبر الواسطة والمحسوبية والمحاصصة حزبية, على حساب الكفاءات وأبناء النوادي الحقيقيين, بعضهم يعتبر النادي ملك له فلا يتنازل عن رأسته مع كم الهزائم, وقضية فرق البراعم والأشبال والناشئين منسية منذ  سنوات , وان تواجدت فيتم تسمية مدربين حسب المزاج والأهواء, وليس على أساس رؤية وخطة للمستقبل, أما المدربين الذين يعملون في المدارس المتخصصة , فلا تتاح لهم الفرصة ويبقون بعيدين عن أسوار النوادي, والنتيجة هشاشة القاعدة, مما يعني مستقبل ضعيف ينتظر للكرة العراقية.
اعتقد يجب أن تقوم الجماهير الرياضية والأعلام,  بالضغط على إدارات الأندية, عبر التظاهرات والفيسبوك وكتابات الإعلاميين والبرامج الرياضية, لإجبارهم على الاهتمام بالفئات العمرية, وتخصص مدربين على مستوى عالي, فالضغط وحده يجعل الأندية تفعل الصواب, أما أن  ننتظر منهم فعل شيء صحيح, فلا نتوقع ذلك, بسبب فساد وجهل الأغلبية المتحكمة بالأندية.
 
●نظام العلاقات افسد كل شيء
نظام العلاقات والمحسوبية اللعين افسد حياتنا, وجعل كل المؤسسات والكيانات عاطلة عن أداء دورها, ومنها اتحاد كرة القدم والأندية الرياضية, وهنا أتكلم عن قضية تعيين المدربين, فلا اعلم ما جدوى أقامة الدورات التدريبية إذا كان الأمر في النهاية لا يخضع للشهادة والكفاءة بقدر خضوعه لنظام العلاقات والمحسوبية, العشرات من المدربين ممن حصلوا على الشهادات والثناء ولهم خبرة, لكن ممنوع عليهم التدريب فقط لأنهم لا يملكون الواسطة.
اعتقد يجب أن تمارس الوزارات الداعمة للأندية ضغطا مقابل المنح التي تدفعها للأندية مثل أن تشترط تأسيس النوادي لمدرسة كروية تضم مدربين من ذوي التخصص والشهادات, وعندها تنصاع الأندية مجبرة, مع أن تستمر الوزارات بالمراقبة وإلا حجبت الدعم.
هكذا فقط يمكن إن ينصلح بعض الاعوجاج, لان الاعتماد الكامل على الاتحاد الكروي أمر يعني الهزيمة, لأنهم لا يقدرون على شراء مجرد كرات للعب المباريات الدوري, فلا تتصور منهم الأمور الكبيرة.
 
● الثمرة
بالخطوات التالية سيتحقق الشيء الكثير للكرة العراقية, والخطوات هي:
 
أولا: أن  تمارس الوزارات المناحة ضغط على الأندية عبر اشتراطات مقابل المنح, مثل أن يكون في النادي فرق براعم وأشبال وناشئين بكوادر تدريبية متخصصة من ذوي الشهادات, بعيد عن "نظام الواسطة اللعين", وان تمارس  الوزارات نوع من التقييم وإلا حجبت منحتها السنوية عن الأندية, وهكذا يصبح للوزارات دور فعال في نهوض الأندية, وليس مجرد مصرف يمول الأندية.
 
ثانيا: أن يفرض الاتحاد على الأندية الاستعانة بالمدربين المتخرجين من الدوارات التي يقيمها, وان يفرض على الأندية المشاركة بدوريات الفئات, وان يقيم الاتحاد بطولات متعددة للفئات على مدار السنة, ويستعين بفريق إعلامي محترف للتسويق, عندما من الممكن حصول ثورة هائلة في الجيل القادم, ويحصل المدربين الكفاءات على فرصهم.
 
ثالثا: على الإعلام المطالبة الضاغطة من الأندية, كي تتيح الفرصة للمدربين الشباب, لأخذ فرصتهم في تدريب فرق الفئات العمرية, لأننا نحتاج مدربين متسلحين بعاملي الخبرة والعلم, كي نلحق بباقي دول المنطقة, بدل ما موجود من شخوص أتت بهم مزاجية رؤساء الأندية أو الواسطة.