لازل العالم مترقب لخطوات كل من الولايات المتحدة الامريكية وروسيا الاتحادية، فكلاهما يلهث وراء مصادر الطاقة التي تتيح له موارد تجعله في موقف سيطرة وقوة، وفيما اذا سيفض تحركهم الى نتاجات لها دور فاعل ومؤثر في رسم خارطة جديدة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا في المنطقة والعالم تلك التحركات قد تؤدي الى توتر عالمي جديد.
سنحاول تسليط الضوء على هذا الموضوع عن كثب، ولتكتمل الصورة علينا العودة الى ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية مباشرة عام ١٩٤٥ وانتصار دول الحلفاء (الولايات المتحدة الامريكية، وبريطانيا العظمى، الاتحاد السوفيتي، وفرنسا..)، على دول المحور ( المانيا، وايطاليا، اليابان)، ورغم الاختلاف في الانظمة والرؤى ما بين الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا من جهة والاتحاد السوفيتي من جهة اخرى، ابتداءا من النظام السياسي وانتهاءا بالنظام الاقتصادي، وقد تعاظم هذا الاختلاف وظهر جليا بين المعسكرين بعد مدة قصيرة، فبعد تقاسم النفوذ ومصادر الطاقة بالمناطق المسيطر عليها، ادى الى اندلاع مواجهة سياسية واقتصادية وعسكرية بصورة غير مباشرة متمثلة بسباق التسلح العسكري والنووي، والتي عرفت بالحرب الباردة، ودارت رحاها مابين المعسكرين الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفيتي والرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الامريكة للفترة الممتدة ما بين اعوام (١٩٤٥_١٩٩١١)، وشهدت هذه الفترة صراعات عديدة في مختلف بقاع العالم، وبعضها كاد يفضي الى حرب عالمية كما في عام ١٩٦٢٢ والمعروفة بازمة الصواريخ الكوبية، بعدها هيمن الهدوء بينهما وانعكس ذلك على مسرح العلاقات الدولية بدءا من مطلع عقد السبعينيات وحتى تفكك الاتحاد السوفيتي الى (١٥) دولة والذي زال عام ١٩٩١، ثم دخل العالم مرحلة جديدة هي عصر أحادية القطب والذي تزعمته الولايات المتحدة الامريكية، هذا الامر اطلق اليد لها للسيطرة على العالم من خلال سيطرتها على مفاصل مهمة اقتصاديا متمثلا بصندوق النقد الدولي (وهو مؤسسة دولية تم انشاؤها عام ١٩٤٥ بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية كان الهدف المعلن منه بناء اقتصاد عالمي قوي، ويتكون من ١٨٨ عضو مقره امريكا) وعسكريا متمثلا بحلف شمال الأطلسي (الناتو) وهو تحالف مجموعة من الدول عام ١٩٤٩٩ لمجابهة الخطر السوفيتي في حينه ومقره بلجيكا، وقد اصبح اليد الضاربة للولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان والعراق، وخلال هذه الفترة لم يكن لروسيا أي دور قوي يذكر، حتى عام ١٩٩٩ حين تولى الرئيس الحالي (فلادمير بوتن) حكم البلاد بعد سلفه (بولس يلسن)، وحينها بدأ بروز دور روسيا من جديد، فقد بينت عن امتعاضها لادارة العالم بالقطب الواحد، وبعد التدخلات التي ذكرناها وما قبلها (بيوغسلافيا عام ١٩٩٩) هذا قد اثار حفيظة الروس حينها، فهي قوة عظمى ولن تقبل دون ذلك، كذلك لها تحالفات استراتيجية اقليمية وعالمية، وكان لتحجيم دورها لعقد ونيف كاحداى اقطاب العالم، له واقعا ايجابيا في اعادة طرح نفسها كقوة قديمة جديدة، لذا قلبت الطاولة بادارتها الشابة وتدخلت بقوة ورفضت الحرب على العراق عام ٢٠٠٣٣، وان كان خيار الحرب قد مضت به امريكا وحلفاؤها، ولكن كان هذا مؤشرا قويا لعدوتها الى الساحة، وجاءت الحرب السورية الاخيرة لتفرض واقعا روسيا جديدا بالمنطقة والعالم كقوة يحسب لها الف حساب وهي الرقم الصعب بالمعادلة كما كنت في سابق عهدها، ليعود العالم من جديد الى تعدد الاقطاب.
ان فوز اليمين المتطرف في الانتخابات الامريكية الاخيرة وصعود دونالد ترامب رئيسا لامريكا وماصاحبها من تصريحات قد اثارت جدلا واسعا.
ومنها تصريحه الاخير والذي قال فيه "يجب على الولايات المتحدة ان تعزز وتوسع قدراتها النووية الى حين يأتي وقت يعود فيه العالم الى رشده بشأن الأسلحة النووية"، وهو موقف مخالف للرئيس المنتهية ولايته اوباما، الذي علقت ادارته مكتفية بالرد ان هذا يخص رؤى فريق الادارة المقبلة، وقد جاءت تصريحاته هذه ردا على تصريح الرئيس الروسي بوتن الذي قال فيه "أن الجيش الروسي هو الأقوى بالعالم، مطالباً بتعزيز القدرات النووية، وأضاف لدى اجتماع بقيادات جيشه، أنه يجب الحصول على أسلحة نووية على أعلى مستوى، وقادرة على اختراق أي نظام دفاعي.
وهذه التصريحات والمواقف تعود بنا الى اجواء الحرب الباردة والتصريحات النارية وسباق التسلح النووي والازمات المصاحبة لها، والتي كانت قاب قوسين او ادنى من حرب عالمية كما ذكرنا سابقا.
هذا يقودنا الى السؤال عن ماتحمله قابل الايام من مفاجئات ونود ذكر هنا بعض الفرضيات ومنها:
اولا: قد تكون هذه التصريحات المتبادلة مقدمات تقود الى توترات تؤدي بورها الى ازمات ربما نتاجها حرب مباشرة بين البلدين، وقد يقول قال نعم خصوصا ما يحدث من احتكاك مباشر بينهما في سوريا، نعتقد ان الحرب لن تنطلق من سوريا، فكلا الجانبين عرف حدوده ودوره فيها وقد تقاسمت الادوار ، وقد يكون مصيرها التقسيم كما المانيا حين قسمت الى شرقية وغربية ، ولكن ربما تأتي المفاجئة من بلد اخر وهذا يقودنا للفرضية التالية :
ثانيا: حرب الانابة قد لا تكون حربا مباشرة بين الدولتين العظميين، ولكن تكون حرب حلفاء وبالتالي حرب انابة ربما يكون المستهدف من التصريحات المتبادلة الاخيرة كوريا الشمالية أو ايران أو تركيا أو تايوان والتي ابدت الصين استنكارا للاتصال الهاتفي المباشر الذي قام به الرئيس الامريكي الجديد ، وردت عليها الصين في حينها.
وقد يقال ان مايدور حاليا في المنطقة والعالم وماصاحبه من توترات وتصريحات لا ينذر بخطر حرب، خصوصا اذا ماعرفنا أن العالم قد شهد نضوجا دبلوماسيا وسياسيا، وولى الزمن الذي تندلع فيه الحروب بسبب قتل فرد أو تبادل اطلاق نار، نعم صحيح ولكن الازدياد المطرد على الطاقة وتعاضم الطلب عليها وما يقابله من زيادات هائلة في عدد سكان الارض تدفعهم لاعادة هيكلة الكوكب والسيطرة على موارده، فزج تلك البلدان في حروب تستنزفهم ماديا وتقلص من اعداد سكانها بسبب الخسائر البشرية يتيح لهم ذكرناه انفا، كذلك الحفاظ على مناطق نفوذها اقليميا وعالميا وبما يحفظ التوازن بينهم، واخير نشير الى ان الاسباب ربما تكون أوهن وأضعف من التي ذكرناها لاندلاع اي حرب حين يتم تقرير ذلك.