المواطنون مسؤولون وإن لم ينتموا

 

ظواهر متعددة تولدت في الشارع العراقي، منها ماكان بسبب عدم المعرفة أو الجهل، ومنها ماكان ممنهجاً وتقف خلفه جهات لها مصالحها الخاصة، على حساب مصلحة البلاد والمواطنين البسطاء، من هذه الظواهر هي ظاهرة التعامل والنقد السلبي، مع كل شخص يدخل معترك العالم السياسي في العراق.

يومياً نرى كمية التهجم والإساءة، لكل سياسي أو أي شخص يعمل في التيارات والأحزاب السياسية، وكأن الفساد أو سوء الإدارة الذي تعيشه الدولة العراقية، هو مسؤولية السياسيين فقط ولا دخل للمواطنين فيه، وإن الحقيقة تنافي هذا الطرح، لأن المواطنين أنفسهم مسؤولون عن هذا الوضع ونتائجه السياسية، وإن لم ينتموا، والفرق بين السياسي والمواطن العادي، هو أن الأول تصدى وأعلن العمل بمشروعه بنفسه، بينما الثاني، أيد السياسي ووكله بالتصدي لهذه المهمة عن طريق الانتخابات.

الفهم الخاطئ لدور السياسة من قبل الشعب العراقي، هو من ولدّ هذه النظرة السلبية من قبل بعض الناس للسياسيين بصورة عامة، فمن خلال السياسة يمكن خدمة المجتمع والناس، فإذا تمكن المواطن الصالح من الوصول للسلطة واستخدمها بحكمة ورشاد، فهذا مبتغى كل شريف في هذه البلاد، لكن تركها وعدم تحمل مسؤوليتها، يعني فسح المجال أمام الآخرين ليشغلوا هذا الفراغ، ومن يضمن أن يكون هؤلاء، بمستوى وأمانة ذلك المواطن النزيه الذي تجنب السياسة.

الحقيقة التي لايدركها كثير من المواطنين، هي أنهم مشاركون في دعم هذه الأطرف السياسية، فعملية الانتخاب وإعطاء الصوت لكتلة سياسية، هو تأييد لها ولمشروعها، وبالتالي يناقض هؤلاء المتعرضون على الدخول في العمل السياسي أنفسهم، من حيث رفضهم ومقتهم لكل من يدخل المعترك السياسي من جهة، ومن جهة أخرى، هم داعمون ومؤيدون للكتل والأحزاب السياسية بانتخابهم لها.

المشكلة ليست في السياسة بحد ذاتها، بل هي في المشاريع والرؤى والمتبنيات لكل طرف سياسي، ومن واجب كل من يستطيع أن يتصدى لهذه المهمة، أن يتصدى ولايترك الأمر للفاسدين والفاشلين، ليتحكموا في مصير ومستقبل الشعب.

الذي نعانيه الآن في مجتمعنا العراقي، هو عملية لمنع الشرفاء من التصدي للمهام السياسية، بحجة الفساد والفشل والسرقة، التي طغت على كثير من العاملين في هذا السلك، لكن الحقيقة أن هذه العملية هي مساندة وداعمة للفاسدين، لكي يستمروا في تدمير مؤسسات البلاد، فإذا تخلى الشرفاء عن مسؤوليتهم، هذا يعني بقاء الأراذل والسفهاء، يصولون ويجولون بدون رقيب ولاحسيب، ويبقى مصير الدولة رهن فشلهم وفسادهم.