الموصليون محاصرون في سجن المدينة الكبير

 

تبقى الصحافة الاستقصائية واحدة من اهم فنون الصحافة واخطرها ، بل نستطيع ان نقول انها اشجعها ... لكنها ليست انبلها ، ففيها احيانا تلصص على الاخرين واستغفال لهم ، واستحصال  معلومات يحرص اصحابها على عدم افشائها وانتشارها.

الصحافة الاستقصائية توفر للمتلقي معلومات غير اعتيادية عن قضية ما ، وموضوع يجتهد فيه الصحفي بالبحث والتقصي من اجل الوصول الى الحقائق او انصاف الحقائق احيانا .. هي صحافة ذات اشواك ،  وليست مسلية ، الا انها مهمة في كشف المستور عن الفساد المالي والاداري والتجاوزات على القانون والظواهر الاجتماعية وحالات اخرى كثيرة .

مايهمنا هنا حياة اهلنا في الموصل الذين يعيشون في مدينة محاصرة من الخارج والداخل ، وتفرض عليهم قوانين ما انزل الله بها من سلطان .. لا احد يستطيع ان يتكلم ، ولا يستعمل الهاتف ولا يشاهد الفضائيات عبر الستلايت ، وهذا يذكرنا بأيام الدكتاتور البائسة ، ولا يقيم افراحاً للاعراس ، فكيف تصل المعلومة الى الاخرين وسط تلك الموانع والقوانين الصارمة التي تفرضها التنظيمات الارهابية ؟.

ولعل مانشرته صحيفة الخليج الاماراتية مؤخراً عن الحياة السرية لاهل الموصل يفصح عن الكثير ، حيث ذكر التقرير تفاصيل الحياة اليومية لاهل المدينة ونقل عن شهود عيان كيف ان داعش يضيق على الناس حركاتهم وسكناتهم .. فالحياة هناك محاصرة باوامر ونواهي لا يمكن تجاوزها او عدم الامتثال لها .. التقرير نقل عن مواطنين من اهل الموصل لم يذكروا اسماءهم تحدثوا كيف انهم لا يستطيعون الاستماع الى الموسيقى والاغاني ، ومحرم عليهم اقامة حفلات الاعراس او حلاقة الذقن او طباعة الصور او امتلاك هاتف نقال ، وحتى الدمى ممنوع اقتنائها والاحتفاظ بها فداعش لايسمح بهذا.

هذه الصورة الواقعية التي نقلها تقرير (الخليج الاماراتية) رسمت  صورة عن معاناة اهلنا في الموصل ، لم تكن واضحة لنا ، بل ان منع وسائل الاتصال جعل من الحصول على المعلومة من داخل المدينة شبه مستحيل..

هذه ملامح قد تكون غير ذات اهمية امام الجرائم التي يرتكبها التنظيم الارهابي ، من خلال التضييق على الاهالي ، ومنعهم من الخروج من المدينة ، واستخدامهم كدروع بشرية ، واعدام الفارين منهم بشكل جماعي ، وتجنيد اطفالهم ، وفرض الاتاوات عليهم .. انهم في حيرة من امرهم وينتظرون الخلاص من هذه المأساة التي وجدوا انفسهم فيها .. ويبدو ان الساعات تمر عليهم اياما وشهورا ، وعيونهم ترنوا الى الجيش العراقي الذي يحمل معه الفرج والخلاص من داعش .. ومع فرحة النصر وتحرير عدداً كبيراً من احياء الموصل في الجانب الايسر من المدينة ، فان التوجس مازال يخيم على الجانب الايمن المحاصر بعناصر داعش ، والنهر الذي قطعت اوصال جسوره ، والخوف من الهرب ، لان مصيرهم الموت.