بلقنة المنطقة العربية

على الرغم من الأزمات الكبيرة التي تعيشها دول المنطقة العربية إلا ان اغلب دولها لا تزال تحافظ على نسب معينة من استقرارها السياسي والمجتمعي، ولا تزال مجتمعات هذه الدول منسجمة لحدٍ ما كقياس ثابت لقلة التنوع الحاصل داخلها ، لتبقى دول التنوع الموغلة بالتعقيد هي مفتاح أزمات المنطقة برمتها تحديداً (العراق - سوريا – لبنان).

هذه الدول تتميز بتنوعها الديني والمذهبي والقومي والاثني الذي عُدَّ أحد سُبل ان تكون منتجة للازمات في كل مرحلة من مراحل التحول من الحرب الأهلية في لبنان انتهاءً بحرب داعش الارهابي وباقي الفصائل المتطرفة، هذه الاحداث تجعل المتتبع لشان هذه الدول في حيرة من أمره لتسيطر على تفكيره نظريتان: الاولى تبعية بعض الحكام العرب التي أنتجت سياسات تفتقر لأسس البناء والتقدم وتفادي الأزمات مهما بلغت جسامتها، والثانية المؤامرة التي تأخذنا الى مساحات الاستهداف وطمس الهوية وإقامة المشاريع الساعية لتفتيت أمة تحمل من المشتركات ما تجعلها عقبة كبيرة امام مخططات الدول الكبرى، وبين الاولى والثانية فقد العرب البوصلة وفقدت اشارة الاتجاه الصحيح، ليؤذن لشعوبهم ان ينساقوا خلف ما يرسم من حيث لا يعلمون.
ان المنطقة كانت ولاتزال تشهد واقعاً مأساويا تضمن انقسامات وصراعات حادة اخذت اغلبها طابع الصراع الذي كان اشدها الطائفي لتتحول دفة الصراع من صراع حضارات الى صراع داخلي لحضارة الاسلام لتعكس مدى درجة التعقيد الفكري للمنطقة وشعوبها، ناهيك عن الصراعات الأزلية التي تأخذ حيزا كبيراً في خارطة تفتيت المنطقة، وهنا يقفز تساؤلاً في اذهان المعنيين بهذا الشأن، ما الذي يريده الغرب من العرب ؟ وماذا يريد العرب اثباته من العرب أنفسهم؟ ان التنوع الذي تشهده الدول المذكورة سلفاً تجعل من معادلة التوازن غير منطقية وبالتالي فهي بحاجة الى ترتيب الاوراق من قبل الاطراف المعنية والإقليمية والدولية.
أن فكرة تقسيم المنطقة وفق مضامين التخندق الطائفي هي نتيجة لسياسات اتبعت سابقاً حمل بذور التفرقة بكل ما لها من سلبيات ليحصد شعوب المنطقة ثمار هذه السياسات التي جعلت من مفهوم الدولة الواحدة مجرد بحثاً نظرياً لا يرتقي للجدل أو للنقاش العملي، لتعطي هذا التطبيقات دفعة نحو الاقتتال من خلال زج الافكار المتطرفة بعد أن تنفس اصحابها الصعداء من جراء التخلص من حكامهم أو اضعافهم بدعوى الانفتاح والديمقراطية، وما حدث في دول الربيع العربي مثالاً بارزاً على تلك الاحداث التي جعلت من التطرف وتوغله داخل هذه المجتمعات المساهم الاول على التقسيم والتفتيت، فالمجتمعات التي تعاني اليوم من ويلات الحروب بدأت تبحث عن ملاذات حتى وأن كانت هذه الملاذات هي فكرة اقليم أو انفصال، وعلى الرغم من أن المنطقة العربية اليوم تعاني من مشاكل وازمات وصراعات طائفية ودينية إلا أن هذه المعاناة تتفاوت وفقاً للتركيبة المجتمعية التي تختلف فيها هذه الدولة عن تلك، فالأحداث الدولية والاقليمية ما هي إلا سيناريوهات تتكرر بين الحين والآخر تبعاً للظرف وللمكان والزمان وللمنطقة وأهميتها، فالمشاهد تتكرر اذا ما استحضرنا تجربة البلقان ودول الاتحاد اليوغسلافي وكيف تم التعامل مع طبقات المجتمع فيها ونتيجة للسياسات الخاطئة لم تستطع مجتمعات البلقان من الاندماج لا بل سلطوا عليهم امراء الطوائف والاديان لتجلب لهم الدمار والابادات الجماعية التي جعلت من مناطقهم ساحات متعددة للحرب بين تطهير صربي وحرب بوسنية، واليوم في المنطقة العربية ومن أجل البحث عن الامن والاستقرار تمت تجربة الفوضى لتكون بديلاً عن الظلم التي كانت المجتمعات العربية تقبع تحته فكان للتغيير ثمن باهض ليضع هذه المجتمعات المغلوبة على أمرها واقعة بين مطرقة التقسيم وسندان الطائفية وضحية  لجماعات تهدد مستقبل الدولة والانسان، فالانسان العربي كان ولا يزال يتعرض لإبادة جسدية وفكرية تساهم في تحطيم مداركه، وبسبب هذه العملية شرائح كبيرة انقسمت على حالها فقسم يحاول البحث عن الحياة الكريمة لكنه فشل في تحقيق مساعيه والقسم الثاني يريد الحياة حتى وأن لم تكن كريمة، أما النخب الحاكمة فهي تستهدف كل ما له علاقة بالتوافق والمصالحة الحقيقة والسير نحو الصالح العام، وليكون مجرمو الأمس أبطالَ اليوم.