من يحمي مناهضي حرية الرأي ومن يمارس اختطاف الصحفيين وتهديدهم؟

 

 

"يقضي الإنسان سنواته الأولى في تعلّم النطق،

              وتقضي الأنظمة العربيّة بقيّة عمره في تعليمه

                               الصمت."

                                                                                    (ذاكرة الجسد)، أحلام مستغانمي

رغم إن المعارك الضارية لتحرير الموصل وأجزاء أخرى من الوطن لم تنته بعد، والوطن لم يتحرر بعد من عصابات داعش المجرمة والقوات التركية الدخيلة، ورغم الشهداء الذين يتساقطون لإنجاز هذه الملحمة الإنسانية والوطنية الذين ننحني أجلالاً لهم، ورغم كل الكوارث والمصائب والخسائر البشرية والمادية والحضارية التي حلت بالعراق منذ سقوط الدكتاتورية البعثية الغاشمة، التي كانت كارثة بذاتها، فأن المليشيات الطائفية المسلحة ذات النهج الإرهابي، الفاعلة ببغداد والبصرة وبقية محافظات الوسط والجنوب، لم تنتظر انتهاء المعركة مع داعش، بل كانت وما تزال مستمرة في أفعالها المناوئة للشعب العراقي وإرادته ومصالحه، بل يمكن القول بأنها ضاعفت من افعالها الإجرامية المتمثلة بالفساد وممارسة الإرهاب واختطاف الصحفيين والتهديد بالنسف أو القتل لفرض الصمت عليهم، إضافة إلى تدنيس حرمات البيوت ومصادرة الحرية الشخصية وتدنيس الجامعات وإرهاب المواطنين والصحف والصحفيين، كما حصل مع الكاتب والصحفي المميز علي حسين وصاحب العمود اللاهب لظهور الفاسدين والمفسدين والكاشف عن عوراتهم القبيحة في جريدة المدى الغراء.      

وأصبح الكثير من المهيمنين على هذه المليشيات الطائفية المسلحة يعيش على الفساد المالي وعلى تأمين الحماية للفساد الأخلاقي وحماية مهربي وبائعي المخدرات ومبتزي النقود من العائلات التي يختطف منها ابناً أو بنتاً. إنهم حماة الجريمة المنظمة بالعراق، وهم الذين يلهبون ظهور الناس بالسياط لانتزاع ما لديهم من نقود، وهم الذين يقتلون المسيحيين بائعي الخمور بصورة رسمية وعلى وفق موافقات حكومية والدستور العراقي، ومهددي وقاتلي من يختلف معهم أو عنهم بالرأي ويكشف عن فضائحهم.

بالأمس كتب الدكتور مهدي الحافظ، النائب الديمقراطي المستقل في مجلس النواب العراقي، رسالة إلى رئيس مجلس الوزراء يطالبه بالعمل لفك أسر المختطف "السيد داوود شمو، رئيس مجلس ادارة فندق بغداد واحد الوجوه المعروفة في القطاع الخاص العراقي،...". وقد تم تدخل رئيس الوزراء وأخلي سبيله! فماذا يعني ذلك لكل ذي عين وبصيرة؟ يعني إن من يأمر بالاختطاف ويحرك الأوباش للقيام بذلك هم ممن يقفون على مقربة من الحكم، أو من أطراف في الحكم فعلاً، وإلا لما استطاع رئيس الوزراء وبهذه السرعة وبدون تنشيط أجهزة الأمن العراقية لفك أسر المختطف. كما إن الخاطفين ليسوا من داعش، وإلا لما امتثلوا لطلب رئيس الوزراء أو وساطته! ولم أكن مبالغاً حين كتبت مرة مقالاً قلت فيه إن القتلة هم من أهل الدار. فهم ليسوا من عصابات داعش المجرمة، بل هم من المليشيات الشيعة الذين يشكلون العمود الفقري ولحم وشحم المليشيات الطائفية الشيعية المسلحة بالعراق، وهم يماثلون عصابات داعش فكراً وممارسة.

وأمس تم اختطاف الصحفية الديمقراطية أفراح شوقي وفي وضح النهار عبر مجموعة من المسلحين الأوباش الذين دخلوا إلى دارها وانتزعوها من أحضان عائلتها ليزجوا بها في أحد أقبية المليشيات الطائفية المسلحة السرية أو الحكومية التي يشرف عليها البعض من قادة هذه المليشيات. إنهم سيهددونها بالقتل وسيبتزونها وسيعذبونها، وهم بذلك يسعون إلى فرض السكوت عليها لكي لا تساهم في فضح الفساد ودوس الحرمات والكشف عن خبايا ما يمارسونه من أفعال ضد المجتمع العراقي وإشاعة الخوف والإرهاب عليه، والسعي المحموم لإشاعة الفوضى لتبديل من يعتبرونه لم يعد يمثلهم كما ينبغي، وجاء بالرغم منهم، بآخر يعتبرونه القائد الفلتة الذي قال عنه أحد نواب مجلس النواب عن حزب الدعوة وقائمة دولة القانون بأنه إذا مات، المستبد بأمره "حفظه الله ورعاه"، فسوف نعيد استنساخه. وهي إشارة واضحة إلى نجاح عملية استنساخ "الخرفان!"، وبتعبير أدق، النعجة "دوللي" التي تم استنساخها في 14 شباط عام 2003 في معهد روزلين في جامعة إدنبرة في اسكتلندا!!!

إن على كل إنسان شريف أن يحتج بشدة على اختطاف السيدة الفاضلة والصحفية العراقية أفراح شوقي وأن يطالب الحكومة القائمة، المسؤولة دستورياً عن حماية أرواح وحرية الإنسان، بما في ذلك حرية الرأي، بالعمل على فك أسر الصحفية وعودتها إلى عائلتها وأطفالها وعملها، ومحاسبة الفاعلين وتقديمهم للمحاكمة لينالوا العقاب المناسب، رغم ضعف القضاء وعدم حياديته واستقلاليته، وارتباطه بعدد من المسؤولين في أعلى مناصب الدولة!!! لم يعد الاختطاف يقتصر على أجهزة الأمن، كما كان في عهد صدام حسين، بل أصبح اليوم تمارسه قوى أخرى لها ميليشياتها المتحكمة في البلاد والتي تمارس أفعالها تحت سمع وبصر الحكومة العراقية ومجلس النواب، بل ورئاسة الجمهورية!   

لنعمل يداً واحدة مع الصحفيين العراقيين لإخلاء سبيل الصحفية من أسرها، سواء أكان هؤلاء من المليشيات الطائفية المسلحة أم من الجماعات العاملة لصالح المليشيات وأحزابها الإسلامية السياسية في أجهزة الدولة الأمنية والتي لا تخشى أحداً في ما تمارسه من أفعال إجرامية بحق الإنسان وحقه في إبداء الرأي ونشره. فكم كانت الكاتبة والروائية الجزائرية أحلام مستغانمي حين جاء في روايتها "ذاكرة الجسد" على حين كتبت بصدق: "يقضي الإنسان سنواته الأولى في تعلّم النطق، وتقضي الأنظمة العربيّة بقيّة عمره في تعليمه الصمت!!!".