جوع كلبك يتبعك

 

الطاغية المقبور صدام حسين، بكل جبروت ديكتاتوريته، لم يكن ذا ميول سنية، ؛ لأنه غير معني بهذا او ذاك، انما قلق بشأن تدعيم اركان كرسيه، حصرا، ولا شيء سواه.

لا شيء سوى كرسيه، حتى العراق الذي يعرش فوق صدره، هذا الكرسي نفسه، والذي وجد صدام نفسه في الزاغور منبوذا حتى من تكريت مسقط رأسه، والتي لم يجرؤ على دخولها.

وزع الارهاب، جرائمه على الشيعة والسنة معا.. فريق عمل واحد، يقتل شيعة ويدعي التسنن مؤلبا الشيعة على السنة، ويقتل سنة مدعيا التشيع، كي يخلق ثأرا سنيا في ذمة الشيعة يدفعون ديته من دم الابرياء في الاسواق ومساطر العمالة الذين تنتظر عودتهم افواه القصر.. جائعين.

الطاغية المقبور والارهاب، كلاهما، سحقا من يقف في طريق جبروتهما.. قاصدة او سهوا، والآن السلفيون يقتلون البريء ليخيفوا مجرما لم يلتزم سياقاتهم.

الا ان الشعب العراقي وعى الحقيقة؛ فبات عصيا على الانجرار الى التأويلات الطائفية، التي يتوارى خلفها المجرمون؛ يطلون بعدا قدسيا على أفعالهم التي تخترق شرائع الدين وقوانين الدولة وأعراف العشيرة وتقاليد المجتمع.

الارهاب لا يفرق سنيا عن شيعي، ولا عربياً عن كردي او تركماني، ولا يعفو عن بريء لأنه مسيحي او صابئي او أيزيدي؛ فكل الموجوات بقناعته مجرمة، متذراع بالاستهداف الطائفي له وعليه؛ اذ يقتل على الهوية، مدعيا التطهير، وحين يلقى القبض عليه، قال استهداف طائفي، وطالب منظمات (حقوق الانسان) بالتدخل.

تداخل الاوراق، ضر المبدئيين، ونفع نهازي الفرص، بحيث كلما القي القبض على مفسد ماليا في سياقات الدستور، قال هذا استهداف لطائفتي، الى ان اصبحت قدسية الطائفة، وحرمتها ازاء الاستهداف، اسطوانة مشروخة، تكرر نشازها المزعج، مع كل دورة، تحت ابرة الحاكي؛ فسأم الناس من يتقول بها، سواء أكان صادقا كان ام كاذبا.

"وما انت بمؤمن لنا وان وإن كنا صادقين" تلك هي الحال التي بلغتها المناورات الطائفية في العراق، ما جعل بعض اصحاب القرار يعمدون الى اعتقالات طائفية وسياسية، مستغلين استنكار الناس لتجارب سابقة، دافع خلالها مجرمون وجناة، امام الرأي العام، عن سوء ما فعلوا، باسم الطوائف والقوميات، مشتتين الرأي العام، عن محاسبتهم نظير ما جنوا من خروقات اخلاقية.

بل حتى فتاة الموصل، وهي سنية، اغتصبها ضابط سني، روجوا الى ان الجريمة استهداف طائفي، وعندما صحوا على كونها، جريمة سنية من طرفيها.. فقدت القضية قيمتها ومسخ الطرح الطائفي الموجود فعلا في مناطق اخرى من مجريات القضاء، لكن سؤ استخدام مصطلحي (الاستهداف الطائفي) و(التسقيط السياسي) افقدهما قيمتهما حتى في المواضع التي يصحان فيها.

تسييس الإجراءات القضائية، يفتح بوابات جهنم، الطائفية والعرقية، التي لن تبقي ولن تذر، ما يجعل ضررها مركبا، مرة بمحاولتها الحيلولة دون القاء القبض على مجرم، يتربص لحظة انشغال.. طرفة عين، كي يفلت بجريمته، ومرة بهدر دم الضحيا حين يفلح المجرم بالتنصل من تبعات جريمته، وثالثة الاسهام باشاعة الجريمة وعدم السماح بمحاصرتها وتجفيف منابعها؛ ما يديم دولاب الدم.. ناعور موت دائر يطوي الناس والاموال.. يقطف زهرة الشباب ويرمل الصبايا وييتم الصغار.. جوعا وتشردا وعريا و... جنون.

"من يوقف النزيف في ذاكرة المحكوم بالاعدام قبل الشنق"

بيت شعر من قصيدة (دمشق) للشاعر الراحل عبد الوهاب البياتي، ينطبق على راهن العراقيين، الذين اطبقت حودث الزمان على ذاكرتهم، المترعة أكتظاظا بالموت والفاقة والجوع والخوف والحروب والعقوبات الدولية.

وتلك غيض من فيض التراكمات التي تقض مضاجع العراقيين، قلقا إزاء مستقبل غير واضح الملامح للاجيال المقبلة، التي لم تعد ترتضي لاي كان ان يطلي غطاءً طائفيا، يبرر به فعلته اللا إنسانية، محتميا بمروءة العراقيين ونخوتهم؛ كي يفلت من جريمة قتله عراقيين.

بالمقابل افراد في الحكومة ادركوا ذلك، فراحوا يصفون حساباتهم الشخصية ضد نظرائهم (الإنتخابيون) بالتسقيط الطائفي، على حساب أهلية المرشح، التي تضر بالعراق، الذي لم يعد له اي حساب في جداول اطماع المتنفذين.

لكنهم... ولثقتهم بكونهم مجرمين، يقيمون الأرض ويقعدون السماء، من دون ان يعطوا فرصة لتبين الحقيقة؛ لأنها ضدهم؛ لذا لن يسمحوا بتدقيق وتنظيم وترتيب المعلومات، انما يحثون على الفوضى كي يمرروا من خلالها جرائم وفساد و... كلشي، بينما الشعب يعيش مسغبة.. جوع وتعب.. من دون خدمات ولا امان، وكلاهما غياب الخدمات والافتقار للامان، مبعثهما الساسة، على طريقة الطاغية المقبور صدام حسين، الذي جعل العرقيين يعيشون تحت هاجس العدو المستتر يتربص بهم، واشرف بنفسه على شعبة افتعال الازمات، فيوم يضيع التمن ويوم يغيب البيض عن الاسواق و... و... حتى إمتلأ العهد الديكتاتوري بالقلق للشعب، بينما الحكومة تطبق مبدأ (جوع كلبك يتبعك) الى ان ضاع الانسان العراقي في ظل الديمقراطية.

عودا الى (جدول اطماع المتنفذين) اقول: ينقسم المتنفذون في العراق الى المناصب الحكومية المؤثرة التي استحكم منها الشيعة، ورحوا يسرقون المال بهوس المثل الشعبي: (علكة المجنون ملء فمه) ونظراء لهم سنيون مهمشون دخلوا العملية السياسية، باوامر مسبقة من الطاغية المقبور صدام حسين؛ كي يدمروها، وسنة جاءوا بجدية لكنهم تحولوا الى اعداء، متعاونين مع القاعدة والبعثيين، علهم يقونهم التهميش، لأن القاعدة تبسط سطوتها على العملية السياسية في العراق بتشجيع او تساهل من امريكا التي خاب ظنها في الشيعة، ولم تعد تعول كثيرا على الاكراد، برغم اثباتهم انهم يعرفون مصلحتهم ولا يتخبطون كالشيعة.

في حين الطرف الوحيد الذي اثبت رصانة وقوة من داخل وخارج العملية السياسية، هم السنة، سواء بالتأمل السياسي، ام بالقتل الذي تم توظيفه بشكل جعل الدولة تستسلم لهم، خلال السنوات005و006و007و2008.

شرع القضاء فرصة لمن لديه اعتراضا او دليلا يقدمه، ومن لديه دفاعات فليدافع،... ما يوجب على الجهات الدينية والنيابية والسياسية والمدنية، ان تقف عند حدودها ولا تخلط الاوراق.

نسأل الله ان يجعلنا حضاريين في التعامل مع القضايا العامة، مترفعين عن تصفية الاحقاد الشخصية على حساب الوطن.