الأمة يستعبدها المُستورَد!!

 

أمتنا مستعبدة بما يُصدّر إليها من البضائع المادية والفكرية والمعنوية والثقافية , فهي تستهلك فكرا ولا تنتجه , وما يصيبها من بلاء ونواكب بسبب هذا الإستيراد المفتوح على مصراعيه , والذي لا يخضع للمراقبة والتزكية النوعية ولا تٌفرض عليه ضرائب , وإنما يخترق الحدود والأبواب والشبابيك وبحرية مطلقة وتامة.

مستوردات بالمفرد والجملة تُضخ في أسواق الوجود العربي , وتتسلل إلى العقول والنفوس والأرواح والعقائد والأخلاق , وتُبرمج الأدمغة وفقا لمناهج المصالح والغايات والأهداف المرسومة خفيةً وعلناً.

فالعِلم مستورد والثقافة والمصنوعات كافة , وبعد أن تم إستعباد الأمة بالمنتوجات المادية على مدى القرن العشرين , أصبحت تحت هيمنة المستوردات الفكرية والعقائدية , بل أن ما عندها من جواهر حضارية ومعتقدات , أعيد تصنيعها وتصديرها إليها لتفعل ما تفعل بحاضرها ومستقبلها , وتمحق ما يشير إليها ويدل على وجودها ومسيرتها.

وهكذا تجد الأمة تعيش في مأزق هيمنة الدين المستورد والعقائد التابعة له , والتي أخذت تدمر البلاد وتسبي العباد , وهي التي صُنعت في مختبرات ومعامل أجنبية وجاءت إليها وكأنها عاصفة هوجاء لتقتلع وجودها وتمزقها شر ممزق.

أفكار , أديان , مذاهب وطوابير بشر مستورد لترويج البضائع المحّاقة للوجود العربي في كل مكان , وتحت رايات الدين الإسلامي وهي ترفع شعارات الله وتنادي بإسمه عندما تقترف أبشع الجرائم , وأفظع الخطايا بحق الله والكتاب والنبي والإنسانية والحضارة والتأريخ بأسره.

فالأمة تعيش تحت وطأة أثقال المستوردات العابثة بوجودها , ولا يمكنها أن تتشافى وتتعافى من الويلات إن لم تتوقف عن إستيراد  المصنوعات السامة القتالة , المغلفة بأغلفة جذابة والممهورة بالدين والعقائد العربية , وما هي إلا سموم مدسوسة في عسل التغليف الجميل الذي يشد الإنتباه ويغري النفوس بالتفاعل معه والتسمم به.

بل أن ما تحويه عبارة عن جراثيم وفيروسات وبائية طاعونية , حالما يُزال عنها الغلاف وتتحسسها الأنامل وتتذوقها الألسن , حتى تصاب بدائها وتصبح ذات عدوى شديدة وقاتلة.

ولابد للأمة أن يكون فيها مراكز للتقيمات والتحليلات النوعية لهذه المستوردات , التي إن لم تتوقف فأنها ستطغى على الحياة وتمحقها , لأن الأمة لا تنتج وتمعن في الإستيراد , ومن واجبها أن تبدأ بالإنتاج الوفير الذي يفسد هذه البضائع المصدرة إليها , والتي يجني مُصنّعوها من ورائها أرباحا طائلة , ويحققون طموحاتهم بنجاحات باهرة.

فهل من عزيمة إنتاج وقدرات صدّ وترصد للهجمات السلعية الفكرية , والبضائع البغضاوية الوافدة إلى بلاد العُرب أوطاني , والتي يتراكض نحوها الجياع والمحرومون والمكبلون بالحاجات اليومية والتفاعلات  التحزبية والفئوية الحمقاء.