"كان فألاً حسناً للمدينة ورمزا لسراييفو خلال الحرب، عندما كنا نراه هنا في شارع - تيتو- بعد جحيم القصف خلال الليل، كنا ندرك أننا صمدنا يوماً إضافياً" ، بهذه العبارات أعرب سكان سراييفو عن حبهم لماسح أحذية يدعى "حسين كيكا ميسو" تمكن بإرادته الصلبة وشجاعته الخارقة من بث روح الأمل فيهم برغم مجازر الصرب المروعة حين كان يفترش الأرض وسط القصف يوميا ليقول للناس بلسان الحال لا المقال – إستمروا في الحياة ، هلموا الى العمل فما مات شعب يزاول حياته وصناعته وزراعته الوطنية وسط الموت والدمار !!- وإعتزازا به كرم بعد وفاته وتم انتاج فيلم وثائقي عن حياته شهد أقبالا جماهيريا منقطع النظير ، ولم يكن الحال مختلفا مع الرئيس البرازيلي ، لولا دا سيلفا ، الذي بدأ حياته ماسحا للأحذية ثم أصبح رئيسا للبرازيل عام 2002 ليعاد انتخابه عام 2006 فأنقذ اقتصادها المنهار حتى بلغت صادرات بلاده الى الوطن العربي لوحده 5,35مليار دولار مسجلا ارتفاعا بنسبة43% ، وقد حضرت شخصيا كلمة ألقاها "سيلفا" على هامش احد المؤتمرات الإعلامية العربية بعد انتهاء فترة ولايته لخص خلالها تجربته الرائدة في البناء والأعمار ومكافحة الفساد والأحتكار ، مكررا على مسامعنا عبارة " كنت ماسحا للأحذية " ولم يأنف من ذلك الأمرلأنه الطريق الذي أوصله الى النقابات العمالية أولا ومن ثم الى رئاسة أكبر دولة في أميركا اللاتينية ثانيا !! إستوقفتني كلماته كثيرا إذ إن لي مع الأحذية وقفات ذات مغزى عميق لعل من ابرزها إغلاق صحيفة ( ....) السياسية الساخرة التي أصدرها ورأس تحريرها والدي رحمه الله تعالى في العهد الملكي وكانت حرية الصحافة مكفولة آنذاك مع بعض الضوابط - مو مثل اليوم ، قل ماتشاء بشفافية لتأتيك الرصاصة من حيث لاتشاء بإنتقائية والضحايا 400 صحفي على مذبح الكلمة أولهم شهاب التميمي واختطاف وإهانة المئات منهم كانت آخرهم ، أفراح شوقي، ناهيك عن تعيين عشرات الأميين بغير وجه حق بدلا منهم وأحدثهم الراقصة المغتربة "عشتار انو سومر " التي اصبحت رئيسة لاتحاد الصحفيين العراقيين في أمريكا !!- أقول أغلقت الصحيفة على خلفية نشر كاريكاتير محلي على صفحتها الأخيرة عبارة عن عقرب رأسه وجه الباشا السعيد يعلوه حذاء مصوب تجاهه مشفوعا بالمثل البغدادي المعروف " العكربة دواها الـ......" ما دفعني للتأمل في فلسفة الأحذية والطرقات اذ ان شعبا جائعا يمشي فوق أرض من الذهب يمارس مهنة صبغ الأحذية وتصليحها او بيع قديمها على قارعة الطرق فيما يلبس الصينية منها والمستوردة وكان لديه من مصانعها ما يصدر فائضها لأمر مؤسف حقا ، علما ان الأحذية لا تصلح للإنتعال فحسب وانما لتصحيح المسار الخاطئ وإهانة الغزاة والأعداء والخصوم والفاسدين ايضا وما حذاء " الزيدي" منا ببعيد !! وبما ان الشيء بالشيء يذكر ، فقد دعيت ذات يوم للمشاركة بدورة مكثفة عن الديمقراطية وعن الأسلوب الأمثل للترويج الانتخابي والفوز في الحملات – البنزركية - او البنفسجية في مكان ما – قلت خلينا نشوف شكو ماكو وننتفع من تجارب الشعوب التي سبقتنا في ذلك وان كنت اشكك بوجود ديمقراطية أصلا حتى في الدول التي تتبناها منذ عقود طويلة فما بالك في العراق - خلاصة الدورة انني لم أخرج منها بشيء مفيد كما توقعت تماما باستثناء كلمات قالها أحد المحاضرين واذكر اسمه كان " الدكتور زوران جكومفتش " وهو عضو الحزب الديمقراطي الاشتراكي البوسني قال فيها وبالحرف : " طلب مني الامين العام للحزب ان أرفع له مذكرة تتضمن أهم احتياجات الحزب للفوز في الانتخابات المقبلة فبعثت له برسالة من سبع كلمات فقط ( نريد 1000 زوج من الأحذية محلية الصنع"!!) ، ظن الامين العام للحزب البوسني أن ما يطلبه زوران في رسالته لا يعدو ان يكون شيفرة سرية أشبه ما تكون بشيفرة - دافنشي - فبعث في طلبه وذهب ليؤكد امامه الطلب معللا ذلك بالقول : "لديَّ 1000 متطوع على أتم الاستعداد لنصرة الحزب وتوزيع الكراسات وتعليق الملصقات واللافتات والبوسترات وتوزيع الهدايا والمطويات وتحشيد الناخبين لصالح حزبنا سيرا على الاقدام في طول البوسنة وعرضها ولذلك فهم بأمس الحاجة الى الف زوج من الأحذية المصنوعة محليا لتشجيع المنتج الوطني اولا ولمحاربة الخصخصة الأجنبية ثانيا وللقضاء على البطالة ثالثا، ولا يخفى على سيادتكم ان هذه المطالب الثلاثة إنما تمثل اهداف حزبنا في حملته الانتخابية المقبلة !!
وما يصدق في الأحذية محلية الصنع ، يصدق على الألبسة والأغذية والصناعات الكهربائية والدوائية والعسكرية والنسيجية والخشبية والورقية والزجاجية والبتروكيماوية والزيوت النباتية والسمنتية وصناعات المشتقات النفطية والمعدنية وغيرها ممن كان العراق ينافس فيها دول المحيط العربي والإقليمي بلا منازع حتى عام 2003 قبل غزو الجراد وتدمير البلاد وسبي العباد بذريعة اسلحة دمار شامل لا وجود لها باعتراف الإدارات الأميركية والبريطانية المتعاقبة ما اسفر عن اغلاق 43 الف مصنع اهلي وحكومي وتسريح منتسبيها وهجرة كفاءاتها ومهندسيها وخبرائها الى خارج العراق وتفكيك وسرقة وتهريب العشرات منها في عصر الحواسم !! خلاصة ما أود الوصول اليه هو ان الصناعة العراقية بحاجة الى مشروع انقاذ وطني محلي حقيقي لإعادة اعتبارها وفتح ابوابها وبيع منتجاتها للقضاء على البطالة ، توفير فرص عمل للعاطلين ، تغطية حاجة السوق المحلية من المنتج الوطني ، تثبيت أصحاب العقود والأجراء اليوميين بدلا من فصلهم أو تأخير صرف مستحقاتهم ،إعادة الكفاءات ، المحافظة على العملة الصعبة ،استثمار الأيدي العاملة المحلية ،تصدير الفائض الى الخارج ،على ان يأتي ذلك بالتزامن مع فرض رسوم جمركية عالية على البضائع المستوردة ، اخضاعها للتقييس والسيطرة النوعية مصحوبة بشهادة المنشأ وإشتراط استيرادها من مناشيء معروفة وفرض شروط معقدة على اجازات الاستيراد بضمانات وكفالات كبيرة ومعاقبة المخالفين وفرض غرامات عالية بحقهم ، اضافة الى دعم المصانع المحلية بالمواد الأولية وقطع الغيار وتأمين الوقود والكهرباء اللازم لتشغيلها وابرام صفقات مع الوزارات العراقية لشراء منتجاتها وتسويقها والحث على ذلك بمختلف الوسائل المتاحة وعلى السفارات العراقية وهي واجهة البلاد في الخارج ان لا تستعمل غير الأثاث العراقي ولا تقدم طعاما غير المحلي من تمور وعصائر بل وسجائر ايضا ونحوها وعلى السفير والقنصل والملحق الثقافي فضلا عن المؤسسات العسكرية والأمنية بصنوفها كافة ان ترتدي بزات عسكرية وبدلات رسمية واحذية وربطات عنق وقمصان واحزمة وقبعات ويحملوا حقائب دبلوماسية كلها ومن دون استثناء مصنوعة في العراق ، كما يتوجب على اصحاب المشاريع الساعية للإصلاح والإنقاذ والتغيير الشامل فعل ذلك وليكن شعارهم " حذاؤك وقميصك عراقي ...قفزة واعدة في طريق الألف ميل نحو الخلاص ووالحرية وإنقاذ الصناعة الوطنية ". اودعناكم اغاتي |