أردوغان يفارق حلمه العثماني

 

تركيا التي صدعت رؤوسنا، بخطابات مسؤوليها وقادتها ووزرائها، حتى بات أردوغان إمبراطوراً عثمانياً جديداً، ومدافعاً صلباً عن حقوق أهل السنة، وراح العرب يتغنون به، وبخطاباته التي كانت تهاجم العراق وإيران وسورية ومصر تارة، وتهاجم الروس تارة أخرى.

الغرور العثماني كان في أوجه، عندما تدخل أردوغان في الشأن السوري، ودعّم المسلحين والمعارضين، والمجموعات الإرهابية المشاركة في حرب بشار الأسد، وكان ذلك بالتناغم مع الموقف الخليجي، الداعم والممول الأول للحرب في سورية، بهدف إسقاط النظام هناك.

ما الذي تغير في رؤية وسياسة أردوغان؛ ليتحول من عدو لروسيا، التي أسقط الجيش التركي طائرتها في سورية، ومن محتل للأراضي العراقية بتدخله في بعشيقة، ومن عداوته ومراهنته لإسقاط نظام الأسد، إلى متعاون مع روسيا وإيران، ومعلناً تعاونه مع العراق والخروج من الأراضي العراقية، إضافة لابتعاده عن المحور الخليجي بهذه السرعة؟  

إذا كان الشعب التركي، أنقذ أردوغان تلك الليلة من السقوط، حين أُعلن عن الانقلاب الذي قام به جزء من الجيش التركي، حيث كان للشعب حينها دوراً بارزاً في فشل تلك المحاولة الانقلابية، فأن هذا الشعب نفسه سيتولى تغير أردوغان وحزبه، بسبب تردي الوضع الأمني في البلاد، التي أصبحت لا تفارقها الأحزمة الناسفة، أو السيارات المفخخة.

الرئيس التركي فقد إرادته، فهو متحالف مع السعودية وقطر والمجموعات المسلحة في سورية، وهذا التحالف تكبد الخسائر المتتالية، وآخرها الهزيمة في مدينة حلب، هذا من جانب، ومن الجانب الآخر فقّد أردوغان علاقاته مع روسيا وإيران والعراق ومصر، وبالتالي فقدت تركيا توازنها الدبلوماسي، وأصبحت أسيرة العزلة الإقليمية.

الإرهاب الذي دعمته الحكومة التركية، تحت غطاء المعارضة السورية، ارتد تأثيره عليها بمجرد بداية فشله في سورية، فبدأت التفجيرات تهز المدن التركية، وبهذا الحال، فأن أردوغان يجب عليه أن يفارق حلمه العثماني، وإلا فأنه معرض للسقوط، فهو الآن فشل في إدارة البلاد داخلياً، وفشل في إدارة علاقات دولته الإقليمية.

تأتي اليوم زيارة رئيس الوزراء التركي للعراق، في إطار التغيير الذي يجريه أردوغان في سياساته الخارجية، والتي بدءها مع روسيا وإيران واليوم مع العراق، لأنه أيقن بخطورة سياساته السابقة الفاشلة، والتي لم تحقق أياً من أهدافها، لا في سورية ولا في العراق ولا في مصر، حتى باتت تركيا منعزلة على ذاتها، وتواجه ارتدادات الإرهاب الذي مولته بنفسها.

العراق الآن في موقف المنتصر، فعليه أن يفرض شروطه على تركيا، ويمنع كل تدخل في شؤونه الداخلية، ويطالبها بالخروج من بعشيقة، ومنحه حصته المائية المقررة، فمن راهن على الإرهاب في إضعاف العراق وظل يتطاول على سيادته يأتي اليوم ذليلاً بعد أن بات هدفاً للإرهاب نفسه.