ثم تبينت بأني من سكان التبت!

 

سرنا على جانب الشارع العريض، تحيط بنا الشرطة، منهم راجلون وآخرون على دراجات هوائية، مررنا أمام مدخل مركز للتسويق، تابعنا المارة بنظراتهم الفضولية، والبعض بأجهزة التصوير في هواتفهم النقالة، هو وحده دنى حتى صار قاب قوسين أو أدنى، ثم ابتسم وهز رأسه وخاطبنا: أنتم من التبت، وأنا أساندكم، وأكن لكم مودة، لذلك سأنضم لكم.

ترك مكانه على الرصيف وسار معنا، ولم يبين له أحد منا حقيقة الأمر.

بعد قليل مررنا برجل يرتدي ثوباً أبيضاً قصيراً، مثل أثواب الخليجيين، لحيته طويلة، على شاكلة السلفيين، يوزع على المارة أوراقاً دعائية، توقف ليلقي علينا نظرة، فيها استهانة أكثر من استياء، ووجه كلمات قليلة لأحد حملة التوابيت، فاستجاب له بتعديل التابوت، رفعت العلم الصغير الذي كنت أحمله ليراه، فهز رأسه، ورمقني بنظرة اشفاق.

قبلها بساعتين كنت أغذ المسير بإتجاه مكان التجمع، بعد سفرة بالحافلة ومسيرة على الأقدام استغرقت ساعة بالتمام، من بعيد بدا المكان المحدد خالياً، انتابني القلق، لعلهم غيروا المكان أو الزمان، ثم اطمأنت نفسي لمنظر التوابيت، مصفوفة على الارض، في خطوط مستقيمة.

وصلت عند التوابيت الكرتونية في الموعد المحدد، الساعة الواحدة تماماً، كنت أتوقع حشداً من الناس، أوعلى الأقل ثلة من المتحمسين، لكني لم أجد سوى نفراً مشتتين، لا يتعدون الخمسة، بعد التعارف مع منظم التجمع دار بيني وبينه حديث، هو من أفغانستان، دعا لهذا التجمع.

مرت ساعة من التأخير، تقاطر خلالها المشاركون، مجموعهم حوالي المئة، باكستانيون وأفغان، وكنت بينهم العربي والعراقي الوحيد، سألني أحدهم عن العلم الذي كنت أحمله، قلت له: علم بلد فيه مظلومون وظالمون أيضاً، فوافقني وانصرف.

لم يأت فريق إعلامي لتغطية الحدث، لو اتصلوا بهم لحضروا، فهم يبحثون عما يملأ أوقات بثهم بأي خبر كان، وقد تأكد لي ذلك في مناسبات سابقة.

ألقى الخطباء كلمات، بالأوردية والفارسية والإنكليزية، ثم بدأنا المسيرة، التي قادتنا إلى الشارع المزدحم حيث انضم إلينا المستطرق الذي افترض بأننا من التبت، ومررنا بالسلفي المستهين بنا.

التجمع في مدينة تورنتو الكندية، والمناسبة استنكار الهجمات الإرهابية على المدنيين في كويتو بالباكستان، والتي راح ضحيتها العشرات من الابرياء، ومنهم نساء واطفال، ومن طائفة الهازار، وكان معظم المشاركين في التجمع منهم، بملامحهم الآسيوية المميزة، لذلك وقع الرجل الأبيض في الافتراض الخاطيء بأننا من التبت، ومن أنصار الزعيم البوذي المعارض الدالاي لاما بالذات.

لو ظن معظم الناس بأننا من التبت لما استحقوا اللوم، فنحن منكفؤون على أنفسنا وجماعاتنا الضيقة، فلا يكاد يعرف الآخرون عنا إلا القليل، ومن مصادر إعلامهم ومراكز دراساتهم فقط، ولا نتعاطف مع قضايا غيرنا فيبادلونا هم التجاوب مع قضايانا، لذلك نحن أينما حللنا نتحول إلى جزر ثقافية تعيش شبه عزلة في محيط واسع، وفي ذلك اليوم وعلى الرغم من حملنا البوسترات المنددة بالهجمات الإرهابية على طائفة الهازار استنتج الرجل الأبيض الوحيد الذي انضم لجمعنا بأننا من التبت لأنه على الأغلب قرأ ملامح الوجوه، وهو يعرف عن التبت أكثر مما يعرف عن الهازار، ويرى بأن قضيتهم أي أهل التبت محقة.

أما السلفي فقد استهان بمسيرتنا المنددة بأخوانه السلفيين في الباكستان، ولم يهزه منظر التوابيت الكرتونية، لأن عددنا قليل، وأقل من واحد بالألف من مجموعنا في مدينة تورنتو الكندية، وأغلبنا من نفس المجموعة العرقية المستهدفة بالإرهاب. وغالبية المسلمين في بلاد الغربة مشتتون ، يتجمعون أحياناً حسب انتماءهم الوطني أو العرقي أو الديني ثم تفرقهم التحزبات السياسية والتنافس بين المتزعمين والطامحين للقيادة، ولا تجمعهم قضية مشتركة، بل لا ينشط إلا القليل منهم لقضاياهم الملحة.

إذا كان الرجل الأبيض المتحمس لقضية التبت معذوراً في جهله بالهازار فهل المسلم الأفغاني أو الباكستاني معذور أيضاً في عجزه عن التعرف على علم بلد مسلم مضطرب، يعاني الكثير من شعبه كما يعاني الهازار في الباكستان وأفغانستان؟ كلنا ملامون لأننا لا نبذل جهداً كافياً للتعرف على قضايانا والتعريف بها أيضاً.

حتى يأتي اليوم الذي نتعارف فيه على بعضنا البعض ونعلم بأن أكرمنا عند الله أتقانا الذي يهتم بشؤون أخوانه ويتمنى لهم ما يتمنى لنفسه أو على الأقل يكف أذاه عن البقية سنبقى جميعنا نحن المسلمون نكرات فاقدو القيمة أو من التبت.