علانية تحسين الجرائم

يشكل الحق في الخصوصية لازمة مهمة في ممارسة الحياة الإنسانية وهو شرط لممارسة غيره من الحقوق والحريات وبرهنة حية لشخصية المرء في المجتمع ولا تناقض يمكن تصوره بين الفرد والمجتمع، إلا أن هذا التصور يمكن تحققه بين الفرد والدولة  وحرية التعبير لا يقتصر اثرها على صاحب الرأي وحده بل يتعداه الى غيره والى المجتمع.

ومن ثم لم يطلق الدستور هذه الحرية وانما اباح للقانون تنظيمها بوضع القواعد والضوابط التي تبين كيفية ممارسة الحرية بما يكفل صونها في إطارها المشروع دون ان تتجاوز الى الاضرار بالغير او المجتمع كما جاء في احكام المحكمة الدستورية العليا في مصر، وعلانية تحسين الامور التي تشكل جرائم وتمجيد مرتكبها واحدة من جرائم الرأي المجرمة قانونا كونها تضر بأهداف القانون ومشروعيته في تحقيق الردع العام وتأكيد مشروعية الجرائم والعقوبات المنصوص عليها قانونا وهي من الخطورة بحيث  تتجاوز الرؤى وتصب في الترويج لجرائم الارهاب والقتل والكراهية والبغضاء والفتنة الطائفية والقومية والاثنية والدينية  لذالك انبرى لها المشرع وجعلها فعلا مجرما يعاقب مرتكبها بالحبس وبالغرامة كما جاء في نص المادة (213) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل، والتي تنص : (يعاقب بالحبس وبغرامة لا تزيد على ثلثمائة دينار او باحدى هاتين العقوبتين من حرض باحدى طرق العلانية على عدم الانقياد للقوانين او حسن امراً يعد جناية او جنحة.) و تحسين الجرائم هي نتاج قصور الوعي القانوني  الذي نرى ضرورة  تحققه في جعل القانون عقيدة تنظيمية قبل ان تكون مادة قانونية  وجريمة تحسين الجرائم تتكون من ثلاثة اركان هي:

 

الركن الاول : العلانية او النشر وهو  الركن المادي للجريمة ويتحقق ذلك بتحسين الجرائم وتمجيد افعال مرتكبيها والاشادة بهم وتصويرهم باستخدام وسائل العلانية التي نص عليها قانون العقوبات في المادة (19/3) وهي:

أ – الاعمال او الاشارات او الحركات إذا حصلت في طريق عام او في محفل عام او مكان مباح او مطروق او معرض لأنظار الجمهور او إذا حصلت بحيث يستطيع رؤيتها من كان في مثل ذلك المكان او إذا نقلت إليه بطريقة من الطرق الآلية.

ب – القول او الصياح إذا حصل الجهر به او ترديده في مكان مما ذكر او إذا حصل الجهر به او إذا أذيع بطريقة من الطرق الآلية وغيرها بحيث يسمعه من لا دخل له في استخدامه.

جـ – الصحافة والمطبوعات الأخرى وغيرها من وسائل الدعاية والنشر.

د – الكتابة والرسوم والصور والشارات والأفلام ونحوها عرضت في مكان مما ذكر او إذا وزعت او بيعت إلى أكثر شخص او عرضت للبيع في أي مكان.

فاستخدام اي من هذه الوسائل في تحسين الجريمة المرتكبة يعد السلوك المادي للجريمة الذي خرج فيه الرأي المجرم من رؤى الجاني النفسية الغير محسوسة الى الظهور المادي الواقعي المجرم عبر الوسيلة التي تم استخدامها في ارتكاب الجريمة وهي صورة العلانية التي اشار اليها النص العقابي.

الركن الثاني : تحسين الجرائم :

ان تحسين الجريمة يعني تصوير الأفعال الجنائية في صور افعال محمودة وتستحق التمجيد والباس الصفة الجنائية للجريمة صفة الاباحه والاشادة بتحققها وتهنئة مرتكبيها بطرق من شأنها اثارة خواطر ومشاعر الرأي العام وافساد العقول والتشجيع على ارتكاب مثل تلك الجرائم وهي تحريض بصورة غير مباشرة على ارتكاب الجريمة لكنها لا تشترط العقاب عند تحقق الجريمة المحرض عليها فعلاً، وقد ورد في النص تحسين الامر المجرم والذي يعده القانون جناية او جنحة بمعنى ان لا عقاب على تحسين  جرائم المخالفات وهو امر لم يوفق فيه المشرع بعكس قانون العقوبات البغدادي الملغي الذي جرم تحسين الامر الذي يعد جريمة بحسب القانون دون تحديد نوع الجريمة فهناك جرائم مخالفات لها اثارها السلبية على المجتمع  وتمجيد مرتكبيها يعد جريمة كجريمة التسول مثلاً. ولا يشترط لتحقق جريمة تحسين الجرائم  وقوع العقاب على الجريمة بل تتحقق ولو كانت الجريمة قيد التحقيق بشرط  تمجيد الفعل ومرتكبه.

الركن الثالث : القصد الجنائي

يتحقق القصد الجنائي بالفعل الذي يرتكبه الجاني وهو تمجيد مرتكب الجريمة وتحسين الفعل الجرمي عمدا وهو فعل يعد بذاته قصدا في ارتكاب جريمة تحسين الجرائم ولا يشترط دفع الناس الى ارتكاب الجرائم او الجريمة الممجدة.