ما .. بعد الحرب الطائفية في العراق... ؟؟

 

سؤال يشغلني كثيرا وبدون شك يشغل كثيرين ، لا أعرف جوابا له ، وخشيتي أن تتحول المدن العراقية الى مقابر لسكانها دون مسوغ ، فصور الخراب الذي تتناقله القنوات الفضائية عن سوريا هي صور مصغرة لكنها نموذجية لبلد اختار قلة من مواطنيه تحويله الى أرض محروقة غير صالحة للحياة. فهل نتيح لهم ذلك ، ونلتزم الصمت في وقت ينادينا صوت العقل " أن اقطعوا الطريق عليهم ، وامنعوهم من تمرير مخططهم الخبيث ".
لكن ماذا لو نجح أعداء العراق في اشعال فتيلها ..؟

فهل سيكون الأطفال في مأمن من النيران ، وبناتنا وزوجاتنا وأمهاتنا من الاغتصاب عندما يهاجم الناس بعضهم بعضا في الشوارع والساحات والأسواق والمساجد كالمجانين ..؟

هل ستهاجم مدن مدنا أخرى بدون سبب ، كأن يتجه أهالي جانب الكرخ ضد جانب الرصافة ، أو سكان المناطق الغربية ضد سكان كربلاء والنجف ، أو أهالي الموصل ضد مسيحيي تلكيف وتلسقوف وبطناية ، أو أهالي البصرة ضد أهالي سامراء ، أو سكنة مدينة الثورة ضد سكنة خان بني سعد ، والجيزاني وعكركوف برغم بعد المسافة بينهم..؟

وماذا بشأن الجيران ، هل سيهاجم الجار جاره بدون سبب مسبق ، فقط لأنه من طائفة أخرى ، وهل سيحطم باب بيته أولا ، ثم بعد ذلك يقتحم داره ويقطعه إربا إربا، وهل سيفعل ذلك أمام أطفاله وزوجته والجيران الآخرين..؟ 

هل سيستخدم الجار ضد جاره قنابل حارقة يرميها عبر النافذة ويعود الى بيته ليراقب ويستمتع وهو يسمع استغاثة جاره فلا من مجيب. وماذا سيقول لطفله الذي يسأله : لماذ يا بابا احرقت أهل صديقي الذي ألعب معه كل يوم ، ها - لماذا فعلت ذلك يابابا..اذهب الى الجحيم فأنت منذ اليوم لست أبي..؟؟

وماذا بشأن جسور بغداد ، هل سيتوقف العبور من جهة الرصافة الى جهة الكرخ تحاشيا للصدام أو بالعكس ، أم سيعبر الأهالي الجسور لمقاتلة اهالي الجانب الآخر في عقر دورهم مستخدمين كل ما يتوفر في بيوتهم من سهام وسيوف وأواني الطبخ وغيرها..؟؟ 

وماذا عن اهالي مناطق مثل سوق الغزل الذين لا يعرفون لأي طائفة ينتمون ، فهل سيستخدمون القرعة ليتعرفوا على أصولهم الطائفية قبل مباشرة القتال فيما بينهم..؟؟ 

وهل ستكون هناك مناطق حياد يلجأ اليها من لا يرغب بالقتال ، وماذا سيكون مصير منطقة الكريعات في الكرخ ، ومنطقة عكد النصارى و بني سعيد وقنبر علي في الرصافة اذا اعلنت وقوفها على الحياد في القتال الذي سيدور بين الأخوة من بقية الطوائف..؟؟

ماذا سيكون مصير أولئك الذين وقعوا المذكرة الأخيرة التي وجهها بعض الكتاب الى المسئولين في الحكومة العراقية ، هل ستسري عليهم الأحكام باعتبارهم مرتدين مع انهم أعلنوا تبرئهم من طوائفهم احتجاجا على الشحن الطائفي الذي يمارسه بعض أطراف النزاع..؟؟

انها أسئلة مشروعة ، صيغت باسلوب ساخر ، لكنها ليست للسخرية والضحك ، بل للتذكر واليقظة من الانزلاق في أتون حرب لا يريدها ولا يسعى اليها العراقيون. انها مستوحاة من واقع حروب طائفية مجنونة حدثت في بلدان عدة وفي أزمنة مختلفة ، لكنها متماثلة في مبرراتها ونتائجها المأساوية وتكاليفها المادية والنفسية والاجتماعية.

ما حدث من حروب طائفية وعنصرية في لبنان وفلسطين ، وفي البوسنة وصربيا وكرواتيا ، وبين انكلترا وايرلندا الشمالية ، لا تشكل شيئا من حربنا الطائفية القادمة ، فتلك حروب خاضها سكانها مباشرة ضد بعضهم البعض دفاعا عن مصالح قالوا انها عادلة. 

لكن الحرب الطائفية القادمة في بلادنا لا تمارس من أجل أي نوع من المصالح ، هي حرب يخوضها عراقيون ضد عراقيين لا مصلحة لأبناء شعبنا فيها ، لا من قريب أو بعيد. انها حربا بالنيابة عن قطر والسعودية ومشايخ الجهل والتخلف الاخرين في خليج الخنازير العربي ، انهم لا ينكرون دورهم في الفتن ، فقد قدموا الأموال والهدايا لسياسيين كبارا لشراء ضمائرهم ونجحوا أيما نجاح. عدا ذلك لا مصلحة لنا في حرب تهدد حياة الملايين من العراقيين. 

فهي ضد مصلحة الكادحين والفقراء ، وضد مصلحة البرجوازية الوطنية من صناعيين وتجار كبار ، وضد مصلحة الطبقة المتوسطة من أصحاب الحرف وفئات الموظفين في قطاع الدولة ، وضد الطلبة والعاطلين عن العمل ممن يحلمون بوظائف توفر لهم دخلا نظيفا يحسنون بواسطته حياتهم وحياة عائلاتهم. 

هي ضد مصلحة الأمهات والأطفال ، وضد الطفولة المستقرة , وضد مصالح ابناء الجيش والقوات الأمنية الذين كغيرهم يحلمون بحياة آمنة لهم ولأطفالهم ، هي ضد المؤسسات الثقافية والاجتماعية ، هي ضد الاستقرار والسلام والتآخي الاجتماعي ، هي ضد التنمية الاقتصادية والرخاء.

ان حربا ضد مصالح كل هؤلاء لا ينبغي أن تسال بسببها قطرة دم واحدة ، انها حربا مخزية وعبثية ، هي وصمة عار في تاريخ من يساهم أو يكون سببا في اشعالها من أي طائفة أو قومية يكون.