"خسوف الغرور" |
التواضع مطلب شرعي وأخلاقي, وهو قمة الصفات الأنسانية الحميدة. العلاقة طردية بين التواضع والرقي, كلما زاد تواضع الأنسان, زاد رُقياً ورفعة. الغريب إن عصور الأستبداد والأستملاك, ولت وأنتهت, بينما يبقى التواضع, الطريقة الوحيدة لأستملاك قلوب الناس. والأغرب إننا جميعاً, نعرف مايحمله التواضع من قيم, شددت عليها كل الأديان السماوية, كما شددت عليه المجتمعات الأنسانية. إلا إننا نتعامل مع التواضع, كما نتعامل مع الموت!. نؤمن به بكلامنا, ونحن على علمٍ انه الحق, بينما تناقضه أفعالنا!.
بحساب نتائج أختبارات التواضع, التي تمر علينا خلال يوم, شهر, سنة. نجد هناك خسوف جزئي للغرور, يمر علينا بين الحين والأخر. ربما يكون نتيجة ضغوط, أو في سبيل مكاسب, أو لتقديم فاصل إستعراضي, أمام مجموعة من الأشخاص, أو بسبب مشاكل نفسية, أستوجبت تقمص دور التواضع.
إن التواضع والغرور صفات, تشابه الى حد كبير, المعادلة الهرمونية داخل جسم كل كائن حي. زيادة الهرمونات الذكرية تصنع ذكر, وزيادة الأنثوية تصنع أنثى, كما لايخلو جسم الذكر من الهرمونات الأنثوية, ولايخلو جسم الأنثى من الذكرية. فإن زيادة التواضع ترتفع بالأنسان, وزيادة الغرور يحط من قدره. ومن الخطأ تنزيه الأنسان من الغرور أو وصفه به, بالمطلق. قد يصل الأنسان بترويض غروره حد السيطرة عليه كُلياً, وهذه حالات نادرة جداً, كل من وصل الى مرحلتها, نجده أما نبي مُرسل, أو ولي من أولياء الله الصالحين.
في زماننا المعاصر, سجلت معدلات الغرور في مجتمعاتنا, أعلى مستوياتها. إنما بطرق معاصرة, تختلف عما كانت عليه, في العصور الغابرة, أيام أنا ربكم الأعلى فأعبدوني. فأصبحنا نتظاهر بالتواضع, وزينة لنا أنفسنا ماتظاهرنا به, ثم صدقناه. والحقيقة هي وجود فرعون, في نفس كل واحدٍ منا. قد يظهر للناس في ساعة سلطة وسطوة, وقد يظهر في ساعة فرح ونشوة, وقد يظهر لهم في ساعة غضب.
ضع نفسك تحت الأختبار, وأكتشف معدلات غرورك وتواضعك. حاول قدر الإمكان السيطرة على غرورك وترويضه, أسقي تواضعك بالصبر, قد يثمر ويُزهر, فيصنع منك جنة خضراء في عيون الناس. للتواضع قدرة عجيبة, حتى في تغيير الشكل الخارجي للأنسان, تعجز عنها كل مستحضرات التجميل في العالم. كيف لا؟ والتواضع نصف الجمال, وأقرب طرق الوصول الى الكمال.
التواضع والغرور قطرتي ماء, في نهرٍ كبير, قطرة التواضع تحملها الأقدار, لتسقي بها شجرة, فتُزهر بها ثمرة, جميلةٌ نّظرة, زاكيةٌ عطرة. وقطرة الغرور تتعرض لشمس حارقة, فتتبخر وتتلاشى مغادرة, رغماً عنها مجبرة, لاتمر بالذاكرة, كما عاشت نكرة, أنتهى دورها وهي نكرة. |