ليل برائحة الحكومة وصباح برائحة الانفلات |
من بلاد الرافدين نبعت الحضارة والثقافة، وغرست في أرضه مبادئ العلم، وسقيت بدماء طهر، لتنمو مكونة جيلا مثقفا بكل ما للكلمة من معنى، نمت حضارات سومر واور وبابل وغيرها كثير، ونشرت فكرها حتى عم العالم، لا بل أصبح درساً يلقى في ارصن الجامعات. كان العراق منبعا لرجالات العلم، واخذت الثقافة من الحياة العراقية مأخذا كبيرا، حتى أصبحت من أولويات العيش الإنساني، تخرجت من العراق قوافل من المثقفين، شغلوا جميع مجالات الحياة، ما ان رأيت مجموعة رواة الا وكان العراقي سيدهم، وما التقيت بمفكرين الا وكان العراقي مفحمهم. مر الوطن بسياسات مبيدة لكل مفاتن الحياة، دمرت كل ما انتجته السلالات والحضارات، من عقول وخبرات، حتى كاد الوطن يخلو من الكفاءات والثقافات، فبعض قتل لأسباب واتهامات سياسية، واخر هجر للسبب نفسه. حقبة بعثية ازهقت مع أرواح بعمر الورد عقول بعمر الرياحين، ورسمت سياسة الأخطاء، فأنشأة جيلا تربى على الفوضى وحب الخراب والدمار، لم تزرع روح المثابرة والتعاون، حتى تغلغلت روح التخريب والإساءة. بعد زوال حكم البعث المتجبر، ما زالت تلك الروح المحبة للعبث واللامبالاة مستميتة في دواخلنا، لغة الإهمال سائدة ولم نفهم من الديمقراطية الا الصراخ والسباب. ظاهرة لا تمت لحضارة الوطن بأي صلة، هي رمي النفايات وترك الاوساخ مرتعا للحيوانات وسط المدن، مما يشكل منظرا مشمئزا كلما مررت بشارع وسط مدننا، اهمال من الشعب وتقصير من الحكومة، أنتجا جو يملئه المرض والاقذار. ثقافتنا ما زالت تنظر الى عامل النظافة، ذاك الذي يزيل الاوساخ من امام دارنا بأنه (زبال)، ولم ترتقي لنصب تمثالا له لأنه سعى جاهدا لتخليصنا من فضلاتنا، ثقافتنا لا زالت بائسة، حتى تكافئ من يرمي بقاذورات فسادة في شوارعنا، لكننا نعطي لعامل النظافة مبلغاً زهيدا لا يسد رمق عيشه. اه. يا لتلك الرائحة النتنة التي اشمها يوميا بالقرب من دار الحكومة في مدينتي! في حينها أخشى ان يمر زائرا بجانبها، حتما سينال من ثقافة السومريون والبابليون، ثقافتنا اقتصرت على صراخ وثبور، دون عقد ندوات حوارية تعنى بنشر ثقافة النظافة، التي طالما أوصى بها الإسلام كثيرا. مدننا تشكو الإهمال وسط صمت حكومي صارخ، حتى كدنا نعيش وسط مقلعا للأوساخ، منظر لا يمثل الا دناءة وقذارة اولائك المتسلطين الذين جعلوا همهم هدر المال العام، فيما جعلت عامل النظافة وحيدا امام مكباً عملاقاً للأوساخ، لا تكفي اجوره مقارنةً بالعمل به. خلاصة القول: ((لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم))، فلنبدأ بتغيير انفسننا ونجمع نفاياتنا بأكياس ليسهل للعامل المسكين جمعها، عسى ان يخجل حاكمينا ويخرجوا من جهلهم، الى ثقافة السومريين والبابليين التي سأمت الانتظار. سلام. |