الانكليز في فخ استاذ التاريخ |
في عام 1941 كانت الحرب العالمية الثانية مستعرة على اشدها بين دول المحور ( المانيا وايطاليا واليابان ) وبين دول الحلفاء ( بريطانيا و فرنسا والاتحاد السوفيتي و امريكا ) . حيث زار في تلك السنة مدينة عانه العراقية الواقعة على نهر الفرات اللورد الكابتن براد برّن وهو الحاكم السياسي البريطاني والمسؤول على لواء الدليم في ذلك الوقت ( والممتد من ابو غريب والفلوجة الى القائم والرطبة ومنطقة الجزيرة ) ولواء الدليم هو من اكبر و اوسع الويّة العراق من حيث المساحة . و كان الكابتن براد برّن شديد الوسامة وتبدو علية علامات الاناقة والجمال الجسدي ولدية من روح الشباب ما يميزه عن اقرانه من البريطانيين والابتسامة على وجهه لا تفارقه على الاطلاق , و كان التاج البريطاني قد منح الكابتن براد برّن لقب لورد وكذلك والدة قد منح هذا اللقب . وعلامة اللورد وهي عبارة عن نصف زجاجة مثبتة على العين تعطي نوع من الكبرياء والعظمة و الفخامة لصاحبها ومربوطة بواسطة خيط يتدلى من على الكتف .وكان الكابتن براد برّن معروف في الاوساط البريطانية حيث كان خالة اللورد بادن باول (1857- 1941 ) ضابط في الجيش البريطاني وكاتب و مؤسس الحركة الكشفية ( الكشافة ) . وكما ذكرنا فقد كانت بريطانيا في حرب سجال طاحنة مع المانية النازية ...وكان العراقيين في ذلك الوقت يكرهون بريطانيا لأنها اخذت ولعبت الدور الاكبر في قيام دولة الصهاينة على ارض فلسطين وأخذت على عاتقها ورعايتها ومساندها الفعلية في قيام هذا الكيان الممسوخ .وأخذا العراقيين يميلون الى المانية النازية على اعتبار ( عدو عدوّي صديقي ) . اما الانكليز عندما كانوا محتلين للعراق في ذلك الوقت فقد كانوا يحاولون ان يبثون ويرسلون الدعاية الحسنة للجيوش البريطانية وكان املهم هو الوصول الى قلوب ومشاعر وعقول كافة افراد المدن والقصبات و النواحي العراقية البعيدة والقريبة , حيث لا توجد كهرباء في ذلك الوقت ولا سينمات ولا تلفزيونات ولا غير ذلك وإنما كانت هناك سيارات خاصة متنقلة فيها اجهزة لعرض الافلام السينمائية على شاشات بيضاء كبيرة توضع في الشوارع المكتظة او في الاماكن المخصصه لها . وكانت هذه الافلام تدور معظمها على الحرب بين الجيوش البريطانية والجيوش الالمانية وتصور هذه الافلام كيف ان الجيوش البريطانية تظهر بانها الجيوش المنتصر والمدافعة عن الحق والفضيلة وتصور الجيوش الالمانية النازية جيوش تبحث عن الاستغلال والقتل والاحتلال ...وتبدأ هذه العروض من على هذه الشاشات المتنقلة بافلام كارتون ميكي ماوس لاستقطاب اكثر عدد من الاطفال بعدها يقومون بعرض هذه الافلام الوثائقية الحربية عن الحرب وعندما تظهر القوات الالمانية في هذة الافلام الوثائقية ومن على هذه الشاشات المتنقلة يقوم الجمهور في ذلك الوقت بالتصفيق والهلاهل والتكبير وإطلاق كلامات الترحيب والثناء . علما ان الذين يعرضون هذه الافلام الوثائقية الحربية هم جميعهم من الانكليز وإتباعهم وإذنابهم لكن والحق يقال كانوا مع كل هذه الاعمال لم يعترضوا على اي شخص مهما حاول استفزازهم واستنكارهم مع علمهم المسبق ان المنطقة برمتها لا تحبهم ولا تميل اليهم بشكل مطلق الا القليل الذين هم على عدد اصابع اليد .وكان عندما يسير الكابتن براد برّن في طرق مدينة عانة مع القايم مقام المرحوم توفيق المختار كان يسير مشيا على الاقدام ولمسافة اثنا عشر كيلومترا حيث كثرة السواقي والنواعير تقطع الطرقات من كافة الاتجاهات حيث من الصعب قيادة السيارات العسكرية او المدنية وانما كان السير مشيا او على الحيوانات فقط. وقد لاحظ الكابتن براد برّن على حائط دور المواطنين ((شعار النازية )) ومرسوم بواسطة الفحم او الطباشير وشعار النازية كما هو معلوم عبارة عن صليب معقوف ..وما ان وصل الى جامع حمزة وهو جامع كبير في مدينة عانة حتى شاهد بأم عينة على حيطان الجامع ومن كافة الجهات شعار النازية ومرسوم بصورة كثيرة وبكافة الاحجام . منها ما كان مرسوما بالفحم ومنها ما كان مرسوما بالطباشير فالتفت الى القابم مقام المرحوم توفيق المختار واستفسر منة قائلا : لماذا كل هذه الشعارات النازية وبهذه الكثافة فأرسل القايم مقام الى متولي شووّن الجامع (( جامع حمزة )) فلما جاء المتولي رحب بهم وقدم لهم القهوة العربية وأجلسهم في ديوان مجاور للجامع تابع للمتولي وبعد ان شربوا القهوة قال توفيق المختار الى المتولي لماذا كل هذه الشعارات المزعجه والكثيرة.... يجب عليك ان تزيلها فورا وعدم تكرار ذلك الامر فإجابة المتولي ان ازالتها من الامور البسيطة اما ازالة الفكرة من عقول الشباب فهذا امر صعب تحقيقه ولو ازلتها اليوم فسوف تعود غدا وبصورة اكبر من السابق ثم ان ذلك يصعب مراقبته وهل نقدر ان نضع شرطي على كل شخص ونسيطر على الناس فضحك الكابتن براد برّن وقال دعهم يرسمون كما يشاءون ولهم الحرية في ذلك . وبعد مرور سنتين وتحديدا عام 1943 زار المنطقة ثانية الكابتن براد برّن ومعه وفد من وزارة الداخلية العراقية وكذلك المفتش البريطاني في الوزارة المذكورة المستر رجي ومدير معارف لواء الدليم و المتصرف ( المحافظ ) وذهبوا الى متوسطة عانة الواقعه في اعلى الجبل لزيارة التلاميذ والتعرف عليهم وعلى سير الدراسة وغيرها ولما جاءوا الى احد الصفوف كان المدرس المرحوم عاكف يوسف وهو عم الاستاذ طاهر العاني وزير الصناعة السابق .حيث كان الاستاذ عاكف يوسف من الوطنين المتحمسين ويدرس مادة التاريخ ....ومن باب الصدفة كان موضوع الدرس عن الثورة الالمانية بزعامة القائد العظيم ( بسمارك ) ودخل مدير المدرسة ومعه براد برّن والمفتش الانكليزي وغيرهم ...فقال مدير المدرسة للأستاذ عاكف من الافضل تغير موضوع الدرس الى موضوع اخر افضل من ذلك ...فقال لة الاستاذ عاكف بالحرف الواحد لا يتغير موضوع الدرس والا فسوف اقوم بترك الصف مباشرتا فاجبه المفتش رجي دعة يشرح للطلاب ما يشاء ومن حقه ان يظهر لهم الحقائق وفعلا استمر الاستاذ عاكف في تدريس مادته التاريخية حول زعيم الثورة الالمانية القائد العظيم بسمارك حتى انصرف الزائرون منزعجين من اصرار الاستاذ العراقي المرحوم عاكف يوسف رحمة الله تعالى...
|