الحاشية التي تجهض الحمل الصالح

 

يحكى إن هناك ملكا عادلا, ورث العدل والحكمة من إباءهِ وأجداده, وكانت له محبة خاصة في قلوب أبناء شعبه المتنعم بالأمن وراحة البال, فلا مملكة تتعدى على حدود مملكته, ولا احد يُظلم فيها.

وبعد تلك الأعوام التي سادها الهدوء السياسي على الصعيدين الداخلي والخارجي, توفي ذلك الملك العادل, ليخلف بعده ولده الأكبر.

اخذ الملك الجديد على عاتقه, السير على نهج والده, فما كان منه إلا أن بعث ممثلين عنه, إلى كافة الإمارات الواقعة ضمن حدود مملكته, لغرض المعايشة والاطلاع على أحوال المواطنين, ومعرفة احتياجاتهم وإيصالها إلى مسامع الملك, إضافة إلى دورهم في إيصال أفكار الملك الجديد لهم, ومعرفة مدى تطبيق قوانينه من قبل القائمين بالإعمال هناك, كما كلفهم الملك باختيار النماذج الكفوءة من المواطنين, من اجل إيصالهم لمناصب مهمة  يعتمد عليهم فيها, تخص أمور المملكة, وما يريده منهم من تفان وإخلاص في عملهم وخدمة مملكتهم, وان المملكة ستمضي على ما كانت تتمتع به من امن وأمان وعدل, وتوزيع عادل للثروات في زمن والده.

فشُكلت الوفود, وذهب كل منهم إلى ما حدد له من إمارة.

ففي الإمارة الواقعة جنوب المملكة, باشر ممثل الملك مهامه المكلف بها, لكن هذا المبعوث كان مجتهدا في تصرفاته, عاكسا رؤيته الخاصة في معالجة الأمور, والتي يعتبرها المواطن البسيط, رؤية الملك, لأن الملك هو من بعثه ليمثله, بعد إن اصدر امرأ بإطاعة أوامر المكلفين بالمهمة واعتبارهم يمثلونه.

ذات يوم وإثناء تجوال ممثل الملك, في هذه الإمارة, صادفته معاملة تجارية, بين كبار التجار, وتوقف مشروع احدهم(وهو من التجار المعروفين بالمراوغة في عمله), لإخلاله بالعقد المبرم بينه وبين التجار الآخرين, وانتهى الأمر بعدم حل هذا التاجر لمشكلته, فقام ممثل الملك هذا, بإرسال احد حاشيته إلى التاجر, سرا, وطلب منه مبلغا من المال من اجل تسهيل أمره, مستغلا صفته ممثلا للملك.

فما كان من التاجر إلا أن يبادر بدفع المبلغ, من اجل تسهيل عمله, وتحقيق هدفه, وهذا ما حصل فعلا.

فرح التاجر لأنه نال من السلطة حسب رؤيته, معتقدا إن الملك هو وراء ذلك التصرف اللامسؤول من قبل ممثل الملك.

ولما نصحه المقربون منه,بأن تصرفه مناف لما أراده الملك, استخدم الفوقية في إسلوبه, الذي أثار حفيظة المقربين منه, لما به من استعلاء, ولهجة جارحة.

فاخذ الخبر بالانتشار, حتى أصبحت سمعة ذلك الملك المسكين, لا يحسد عليها, بسبب التصرفات المتهورة من قبل الحلقة الوسطية الذي أرادها الملك عونا له.

بينما في الطرف الآخر وفي إحدى الإمارات الواقعة شمال المملكة, التي هي أيضا باشر فيها ممثل الملك بأعماله. ذات مرة, وعند سيره في احد المناطق الفقيرة, شاهد امرأة عجوز, عليها علامات العوز, جلس إلى جنبها ليستفسرعن حالها, فأخبرته بما هي عليه, فقال لها لقد بعثني الملك لرعايتك, وهذا مبلغ من المال خصكِ به,  ثم أمر والي المدينة بتخصيص مبالغ مالية لها ول 100 فقير في الولاية نفسها.

فانتشر الخبر ان الملك الجديد أمر برعاية العوائل المتعففة.

 اضافة الى ان هذا الشخص كان له من الأخلاق ما جعل المواطنين يقدسون الملك ويحترمونه, بعد ما شاهدوا أخلاق ممثله وتعامله معهم.

وبعد مرور عام من تسنم الملك مسؤوليته, أمر باستفتاء شعبي لمعرفة مدى رضا الشعب عن الملك وقيادته, واُجري الاستفتاء حسب الأصول. لكن الذي أدهش الملك, إن لا شعبية له في الإمارة الجنوبية, عكس تلك الواقعة في شمال المملكة, والسبب في ذلك هو الصورة التي عكستها الحلقة الوسطية بين القائد والقاعدة الشعبية, والتي تمثلت بمن بعثهم الملك ممثلين عنه.

هي رسالة لمن يمثلوا الحلقة الوسطية بين القيادة والقاعدة,بين رئيس الدولة ومسؤولي الدوائر والمحافظين, أقول لهم, اتقوا الله في قياداتكم, فقد تكونوا سببا في ضياع جهودهم التي عملوا عليها لسنين.

 بتصرف شخصي, او بعبارة خاطئة استخدمتها مع الآخرين, قد يضيع جهد سنوات, او تكون سببا لنفور الناس من حولك. البسطاء ينظرون إليك قائدا, وتحمل اسم القائد, مهما كان صنفه وطريقه.

إن لم تفهم ما يريد صاحب المشروع, فلا تزج بنفسك في غياهب تتيه بداخلها, لتضطر إلى أن تصطدم بكل من حولك, مدافعا عن رؤيتك الخاصة, لا عن مشروع فهمت منه الظاهر فقط.

كم من زعيم صغر بعيون الناس بسبب حاشيته, الحاشية التي تجهض الحمل الصالح.

حتى الإسلام العظيم, هناك أناس, اعتقدهم البعيد انهم يمثلونه, لكنهم قدموه على طبق من الدم والعذاب, لا على طبق السلم ومكارم الأخلاق.

فأصبحت نظرة من لا يفقه شيئا عن الإسلام, نظرة تخوف وتعصب.

 كيف يكون الإسلام كذلك,وهو من يملك أفضل وأنقى واتقى حلقة وسطية في الكون, وهو رسول الله محمد (ص), فهو خير حلقة بين الخالق وعباده.

 فبسبب المسيئين يساء لمن فوقهم.