وتبقى دماؤنا تسيل

 

    قبل ثلاثة أعوام أو أكثر قليلا، علت صيحات في بريطانيا، هذا البلد الذي يبعد عن العراق آلاف الأميال، وسبب الصيحات هو تورط تاجر بريطاني في صفقة الأجهزة الكاشفة للمتفجرات (السونار) التي شارك في تصديرها هذا التاجر الى العراق، والتي تبين جليا وبإثباتات جهات مهنية فيما بعد، زيفها وعدم كفاءتها في المهمة المتوخاة منها، ونال على أثرها ذاك التاجر عقوبة عشر سنوات سجن على فعلته تلك. وعلى الرغم من ذلك لم تتخذ الجهات المسؤولة في العراق إجراءات على محمل الجد حيال المتورطين في هذه الصفقة، ويبدو أن القضية برمتها قد قيدت ضد مجهول، أو (نامت الطابوكه) على أوراق التحقيق كالمعتاد. وكرد فعل أو مناورة تغطية، أو قد تكون مراوغة إخفاء لعمليات مريبة أخرى، بدأت جهات وشخصيات تتقاذف كرة الاتهامات حينها من ساحة هذا السياسي الى ساحة الآخر، الذي بدوره لايتماهل في تحويلها بضربة (أسطة) الى ساحة ثالث هو الآخر لايقل عن مهارة (ميسي) في صد الكرات، وتحويلها الى هجومية في هدف سياسي رابع، وهكذا تتوالى سلسلة الأشخاص من المسؤولين في مراكز عليا في الدولة، وهم في حقيقة الأمر ليسوا متهمين، بل متخمون في ريع تلك الصفقة وأرباحها، ان لم يكونوا قد عدوا العدة لصفقات جديدة بزوايا أخرى من زوايا البلاد، و (هبرات) كبرى من ثروات العباد، كأن تكون صفقة سكر تالف، أو رز متعفن، او حليب فاسد، فضلا عن بسكويت الأطفال المنتهي الصلاحية، وصفقة السلاح الروسي، كما لاأظنها غائبة عن أذهاننا، تلك هي (سالفة) كاميرات المراقبة والمناطيد الأمنية التي نصبت في أطراف العاصمة بغداد، والتي تضمن -كما يفترض- الكشف المبكر لتحركات المجاميع الإرهابية، وبالتالي تقليص عمليات العنف والحد من وقوع المزيد من ضحايا أبرياء، وفقا للغرض الذي أنشئت من أجله. ولكن، خابت الظنون أمام فنون وألاعيب تجار الحروب، الذين صارت لديهم خبرة وملكة في الغش واتقانه، والزيف وتمريره، والقائمة تطول في العد والكم والنوع والكيفية والعائدية في السرقات والاختلاسات. مقابل هذا مازال الدم العراقي ينزف من دون توقف في شوارع بغداد وأزقتها بين الحين والآخر. 

   يذكرني مايحدث اليوم بما كنا نفعله في طفولتنا، فمع صغر أعمارنا وغضاضة عودنا وقلة حيلتنا، كنا نبتكر الأساليب والطرائق في لعبتنا المفضلة، هي لعبة الـ (ختيلان). حيث كان الشاطر فينا من يبتدع كل جديد وغريب وغير مطروق في ساحة طفولتنا، للتغلب على أصحابه والفوز عليهم  بالإفلات منهم، لالشيء يذكر إلا لمجرد الإحساس بالفوز. فهي إذن، ذاتها لعبة الـ (ختيلان) التي كنا نلعبها في صغرنا، إلا أن أبطالها كبار وذوو حيلة ودهاء، ولهم مايسندهم على أرض الملعب، فيلعبون كما شاءوا مع القانون والرقابة بتخفٍ، فيتوارون عن الأنظار في وقت تسيل دماء العراقيين أمام أنظار أجهزة الدولة، وهم في صفقاتهم ينعمون.

aliali6212g@gmail.com