جريمة في بغداد فوق خط الفقر
 
عاد فضل الله يندب حظه العاثر, حيث لم يستلم المعونة الشهرية من شبكة الرعاية, فقد اخبره صاحب صراف بطاقة "الكي كارد" أن اسمه ضمن المبعدين, لأنه مكتوب عليه انه فوق خط الفقر, حسب القرار الحكومي المقدس, أصاب فضل الله الذهول, فهل غادر عالم الفقر من دون أن يدري, لعن الحكام فردا فردا بكل أنواع اللعن والشتيمة الى أن وصل بيته, تردد كثيرا أن يدخل بيته, فهو لا يحمل لهم الا الخيبة.
كل العائلة تنتظر المعونة, قد سهروا ليلة ألامس يفكرون في رواتب المعونة التي تخص أربعة أشهر, أنها خمسمائة ألف دينار, الأب (فضل الله) كان تفكيره محصورا في شراء مدفأة وكمية من النفط, كي يبدد برودة الجو القارصة, أما ابنه الطالب في الخامس الإعدادي, فكان يفكر في شراء كتب ومجموعة ملازم وقاموس انكليزي, فكل زملائه اشتروها وهو الى ألان يتحسر, أما الابنة فهي طالبة في الثاني المتوسط, وكانت تفكر في شراء حقيبة جديدة وملابس جديدة, كباقي زميلاتها, أما أفكار الزوجة فهي تتمحور في أصلاح باب المطبخ, وشراء زجاج لشباك غرفة النوم المكسور.
تبددت أحلام العائلة الفقيرة, بسبب تقرير الباحث الاجتماعي, الذي استضافوه قبل أن يكتب تقريره المشئوم, هم رحبوا به كثيرا, وقد اشترى له (فضل الله) علبة "سفن آب" كترحيب بالضيف, وقد صلوا معا في غرفة البيت, بقي  فضل الله يفكر كثيرا بهذا النوع من الناس, الذي يطعن غدرا بسكين مسمومة.
كان فضل الله يفكرا وبصوت عال: ( ترى لماذا بعض الناس يحمل هذه الكمية من الخبث والحقد, ولماذا تصر الحكومات المتعاقبة على سحقنا, هل الفقر جريمة في العراق الديمقراطي؟ وما هو تأثير مائة ألف دينار على خزينة انفجارية بمليارات الدولارات, لماذا يصر الساسة على استحقارنا, الذنب ذنبنا بان ننتخب فئة قذرة نتنة, بل هم جماعة من الشواذ واللصوص يتحكمون بحياتنا, فيكون طبيعيا أن لا يملكون أي مؤشر أنساني, لأنهم عبارة عن أولاد حرام)).
جلس فضل الله في باب بيته لا يقوى على الدخول, خجلا من عائلته, فهو محبط من حكومة تدعي التدين وأفعالها كفر وطغيان, فان من يحكم مجرد عصابة  فاقد للإحساس الإنساني, تتحكم بالمال العام, فتقسوا على الفقير, وتفتح خزائنها للدواعر والشواذ, ممن ينتمون لطبقتها الغارقة بالمال.
أخيرا دخل فضل الله لبيته وتلقته العائلة, انتشرت الخيبة والحزن في أرجاء البيت الصغير, لم يتكلم فضل الله بأي كلمة, فقط أعطائهم الوصل ومكتوب فيه عدم الاستحقاق لان فضل الله فوق خط الفقر.
جلس قرب الطباخ حيث يستشعر الدفء من نار التي يسخن عليها الشاي, يفكر في ما جرى له : ( أحاول أن افهم مغزى هذا التناقض العجيب في العراق, فمن جهة يتجاهلون المليارات الشهرية التي تهدر, كرواتب ومخصصات وإعانات ومنح للبرلمانيين والوزراء والرئاسات الثلاث, ولبطانتهم مثل كل هذا, ثم يجاهدون وبصخب رواتب الفقراء التي هي مجرد "ملاليم" لا تعني شيئا في الموازنة, فيقتطعوها من الفقراء تحت عنوان كاذب وهو ( فوق خط الفقر), أتذكر جارتي العجوز أم فرقد وهي تبكي  لمنعها المعونة, أنها أم فرقد التي بالكاد تجد عشاء لأطفالها, لكن الحكومة اعتبرتها ميسورة الحال, حكومة بقسوة كفار قريش, أنها مهزلة حكم الشواذ والعواهر).