زمن الاختطاف

في اليومين الماضيين كنت في مناسبة اجتماعية عامرة بالوجوه الطيبة من بدايتها الى نهايتها كان الحديث بشأن موضوع واحد، شاغل الناس وفارضاً نفسه، كل منهم يروي ما سمعه او شاهده، الموضوع عن الاختطاف وكيف اصبح مادة يومية تلوكها الالسن وتحدد اسبابها وتداعياتها وتعكس نتائجها المدة وتأثيراتها على الضحايا والقريبين منهم.
لم اجد من بين من كان حاضراً الا وروى حكايات مؤلمة وكارثية، فهذا يعرض كيف ان جاره سلبت مدخراته، وذاك يسرد تفاصيل خطف صيدلاني وآخر يحكي عن مصرع  امرأة كانت تحمل ذهباً في كيس.
لم تكن منطقة من مناطق بغداد استثناء مما يحدث، والمتحدثون لم يقصروا  من انتقاداتهم للاجهزة الامنية كما انهم يعيبون على الاعلام الذي لا يغطي كل ما يجري في البلاد بل انه يسكت عن الكثير.
ان بغداد وغيرها تشهد تدهوراً امنياً مريعاً، واصبح الناس قلقين وخائفين مما ينتظرهم ويتهمون عن حق الاجهزة بالعجز عن اداء مهماتها، وينعتونها بالمتفرجة بلا أي تردد . الناس يعزون الحال المزري للامن الى التداخل بين عصابات الجريمة المنظمة وجهات سياسية تحميها وتدافع عنها، والى السلاح السائب في الشارع والحيازة غير القانونية والاستخدام لاتفه الاسباب، هذا التزواج بين بعض القوى السياسية والجماعات المسلحة والجريمة المنظمة يشكل خطراً قد تتعذر معالجته ما لم يجابه بحزم وقوة وتفعيل القانون والاجراءات لضبط الامن واحترام حقوق الناس الانسانية.
ويرجح ان الانفلات الامني سيتسع ويتدهور ما بعد داعش الارهابي اذا ما استمرت التجاذبات السياسية والصراعات المختلفة وضعفت الحلول للمشكلات العقدية واستمرار اهمالها وبقاء الحال على ما هو عليه من سوء في عدم الاستجابة الى مطالب الجماهير الشرعية.
ويشخص أيضاً ان التدهور الامني نابع من التدهور الاقتصادي وانعدام الافق القريب بالخروج من الازمة الطاحنة وازدياد التفاوت في الثروة بين فئة قليلة تسيطر على الدولة وتستغلها لمصلحتها وبين عموم ابناء شعبنا الذي تنحدر فئات منه نحو هاوية خط الفقر، ولا تجد قوت يومها وما يؤمن متطلباتها الاساسية بجانب عجز الحكومة عن الايفاء بتعهداتها والتزاماتها في التخفيف من الحرمان الذي يلف ثلث الشعب العراقي وانحسار او انعدام فرص العمل الجديدة لاستيعاب بعض العاطلين، والاكثر ايلاماً حرمان مئات الالاف من الاعانات الاجتماعية في حالة من الاختلاط بين المستحق ومن غير المستحقين الذين وهبوا هذه الاعانات بدوافع سياسية اثقلت على الوزارة.
ولا ننسى الرافد الاخر الذي يشجع على الجريمة المدعومة سياسياً الفساد الذي لم يقل او يتم الحد منه بالرغم من الحملات الاعلامية والدعائية الا انه يتفاقم والاكثر من ذلك حتى وان شحت منافذه لا يتورع مرتكبوه من الاقدام على فعل جريمة الاختطاف للحصول على الاموال او فرض وجهات معينة وما الى ذلك.
 ان المواطنين يسمون زمننا هذا زمن الاختطاف وهم على حق في ذلك فالخاطف اذا ما تم مسكه سيطلق سراحه وحتى عند مشاهدته يسكت عنه لما يترتب من اذى على البوح عنه.
ان الامن في حالة من التداعي لابد من التفكير في ايقاف هذا الدمار لان أي حديث عن الاستقرار لا معنى له من دونه وتقتضي الضرورة اعادة بناء القوات الامنية على اسس سليمة وتشديد الرقابة والمحاسبة على المتقاعسين والمتهاونين بواجبهم.
الحكومة والناس في اوضاع لا تحسد عليها، وسيؤدي زمن الاختطاف الى تفكيك الدولة اكثر مما هي مفككة واخلاء مكانها الى هذه المجموعات الخارجة عن القانون والمتحالفة مع بعض القوى السياسية.