العراق ارض اللبن والعسل

                                                                                        

خلال قرائتي لكتاب (رحلة الى العراق)الذي يسرد رحلة سيدة فرنسية تدعى (مدام ديولافوا) الى العراق سنة 1881 حيث تستعرض احوال البلاد في تلك الفترة فأثار انتباهي ما ذكرته عند بداية دخولها الى مدينة البصرة فتقول "والخلاصة انه لايوجد شئ هنا الا وهو جميل فاتن من بساط اخضر زاهٍ ومن اشجار الفاكهة ومجاري الانهار الهادئة وسماء شفافة مرصعة بالنجوم المتلألئة , وفي الاخير توقف زورقنا وهبطنا منه الى ضفة النهر وكانت عليها كميات كبيرة من الحنطة"* ثم تنوه في موضع اخر ان كميات الحنطة التي شاهدتها ما هي الا بعض ما يرسله التجار من الحنطة العراقية الى الهند ثم يشير مترجم الكتاب* في الهامش الى ان البواخر آنذاك كانت تنقل يومياً الاف الاكياس من حبوب العراق الى الهند والخليج العربي في زمن كانت تستخدم فيه المناجل والمحاريث التي تجرها الحيوانات ووسائل الري البدائية ام الان فأننا ورغم تقدم اساليب الزراعة وآلاتها فأننا نستورد الحنطة من الخارج.
لقد ذكرت هذه السيدة الفرنسية احد الموارد الطبيعية المهمة التي كان يمتلكها العراق في فترة كان يعاني منها الاهمال ايام سيطرة العثمانيين وذلك قبل مئة وستة وثلاثون عاما مضت ثم يصف المترجم كيف تراجعت تلك الثروة وبدأ اهمالها مع نيل العراق استقلاله ليقف في مصاف الدول الساعية نحو التقدم وذلك وقت طبع هذه الرحلة عام 1958 اي قبل تسعة وخمسون عاما.
والآن ماذا لو شَهِد الاثنان معاً كاتب الرحلة ومترجمها واقع العراق بشكل عام وكيف تضائلت مصادره الطبيعية حتى كادت ان تتلاشى بعد سنوات الحروب والحصار والارهاب ليعتمد على مصدر واحد باعث للتلوث وهو النفط.
تذكر (مدام ديولافوا) ايضا ان العراق في ذلك الزمان كان يصدر الوف الاطنان سنويا من التمر لما يملكه من غابات ضخمة من اشجار النخيل الى الخارج وبعد سنوات التصحر والجفاف استحالت غابات النخيل تلك الى اعواد يابسة وسط ارض يباب.
ان ارض العراق ورغم كل ما مر بها هي ارض لاتموت حتى لو صرعها الزمان وتحولت الى مفازات واسعة فهناك امل كبير في ان تحيا من جديد وان تعود الى تنويع مصادرها الطبيعية الضخمة التي تملكها لكل العالم فقط ان توفرت الارادة الصادقة من أهلها.
قبل فترة مضت نُشر استطلاع يبين فيه ان العراقيين من اكثر الشعوب كرماً مع الغرباء ,ثم تاتي ارضهم وفي استطلاع اخير يبين ان العراق يأتي في المرتبة التاسعة من بين اغنى الدول في الموارد الطبيعية , انها ارض اللبن والعسل.
 
*رحلة (مدام ديولافوا) الى العراق – كلدة سنة 1881.
*ترجمة علي البصري –صاحب منشورات البصري –بغداد/1958