سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.. معجزاته في أخلاقه الفاضلة

 

قرأ صاحب الأسطر كتبا عديدة فيما يخص السيرة النبوية، ووقف هذا العام بشكل جلي على المعجزات التي  رافقت مولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التي جاءت عبر الكثير من كتب السيرة،  وأحيانا هذه المعجزات تطغى على مقام سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأن  القارئ يقرأ المعجزات وليس  فضائل سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن الحقائق التي يجب ذكرها في هذا المقام، أن أية معجزة تنسب لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي تابعة له، والشرف لها وليس لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن كل ما في الكون شريف وعزيز ورفيع، يعود شرفه ، وعزته، ورفعته  إلى سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولذلك لا داعي للمبالغة في ذكر المعجزات التي رافقت مولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكأن سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحاجة إلى معجزات ترافق مولده وتدعمه وتؤيده. والمبالغة في ذكر المعجزات أدت إلى الكذب في ذكر بعض المعجزات وبالتالي الكذب على سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كالقول بأن بحيرة معيّنة جفّت حين ولد  سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا مناف لمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جاء رحمة للعالمين، فكيف تجف البحيرة وهو الرحمة المهداة؟. ثم إن مولده صلى الله عليه وسلم ليس تهديدا  للروم ولا الفرس ولا لغيرهم حتى تسقط  الجدران وتخمد النيران، فهو الرحمة المهداة وليس تهديدا لأحد.

وكذلك فيما يتعلق بالهجرة النبوية التي غفل الكثير من كتّاب السيرة عن المعجزة الأخلاقية التي ميّزت سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم  كرد الأمانة لأعدائه وقد كلّف سيّدنا علي بن أبي طالب وهو أحد أفراد عائلته بالنوم في فراشه وأداء الأمانة، ولم يكلف أحدا آخر غريب عن  العائلة. وباستثناء المعجزة التي ذكرها القرآن الكريم فيما يخص جعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا ، لأن كفار قريش كانوا يحيطون بالبيت من كل الجوانب وهم شباب في كامل قوتهم يحملون الأسلحة والتي لم يستطع سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج من  البيت بمفرده فكانت إذن المعجزة،. أي المعجزة حين يعجز سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المواجهة وعن تقديم البديل، وليس للتباهي، والتظاهر، والتهديد، والتخويف، ومنع الخير والبركة.

والدارس للقرآن الكريم يجد أن الله تعالى ذكر ميلاد سيّدنا عيسى عليه السلام دون غيره كمعجزة ليثبت أن سيّدنا عيسى عليه السلام عبد كغيره من العباد وليس إله أو إبن إله بل هو إبن سيّدتنا مريم عليها السلام ، ولذلك ذكرت أمه وكذا ابنت عمران ليثبت أصله الراسخ والمعلوم. والقرآن  الكريم لم يذكر ميلاد سيّدنا رسول الله  صلى الله عليه وسلم لأن ميلاده  ليس معجزة والعرب تعرف نسبه ونشأته وتجارته، وهم الذين أطلقوا عليه لقب الصادق الأمين،  فهو منهم مذ ولد ويعرفون عائلته وقبيلته من قبل أن يولد، إذن فلا داعي المبالغة في ذكر المعجزات التي لم يذكرها القرآن الكريم والتي لا يحتاجها سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والقارئ لسورة الفيل، يجد بأنها لا تتحدث عن ميلاد سيّدنا رسول الله صلى  الله عليه وسلم إنما تتحدث عن الظروف التي سبقت ميلاده صلى الله عليه وسلم، لذلك حين نزلت سورة الفيل لم ينفها كفار قريش ولم يكذبوها وسكوتهم دليل على أنهم يؤمنون بها  في أعماقهم، لأن كبار السن يومها يعرفون جيدا أن سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن قد ولد يوم واقعة الفيل أو ولد في  تلك الليلة أوله من العمر يومين أو بعض الأيام. فمن الذي أخبره بواقعة الفيل؟. أكيد الله سبحانه وتعالى هو الذي أخبره. فسورة الفيل تثبت معجزة القرآن الكريم وبأن سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا لرب العالمين، ولا يمكن إدراجها بأنها ضمن معجزات مولده صلى الله عليه وسلم، وإن ذكرت فهي ضمن المعجزات التابعة لفضل سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن كل شرف فهو تابع لشرف سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

خلاصة، سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بحاجة لأن يبالغ الناس في ذكر معجزاته، وأخلاقه الفاضلة هي معجزاته التي يجب التمسك بها في كل حين، والتباهي بها والاعتناء بها، فإن ذلك أصل سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما عداها من المعجزات فهي تابعة لفضله وسموه ورفعته، وكل فضل يتبع سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.