ترامب المرعب

لم يحصل أن أثار رئيس أميركي مخاوف دول وانظمة وتيارات وإتجاهات مثلما أثارها دونالد ترامب, الرئيس الخامس والأربعون للولايات المتحدة. فعلى مدى النصف قرن الماضي وصل الى البيت الأبيض عشرة رؤساء بدء  بجون كينيدي "أغتيل عام 1963" الى  أوباما المنتهية ولايته والذي كان هو الآخر مفاجأة بوصفه أول رئيس  أسود. لكن أمر ترامب مختلف تماما. فهو أول رئيس لم تكن عملية فوزه عبر التنافس الإنتخابي التقليدي الذي تجري ممارسته منذ نحو مائتي عام في الولايات المتحدة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي, بل فاز بمزاج الناخب الذي  تغير تماما ولم يعد بمقدور أحد بمن في ذلك مراكز الابحاث وإستطلاعات الرأي وكبريات الصحف التنبوء به.
داخل أميركا  يدور الان جدل في العديد من  الاوساط الأميركية وفي المقدمة منها أجهزة الإستخبارات الوطنية على إثر قضية الإختراق الروسي للإنتخابات وما قد يترتب عليها من إضعاف الثقة بين الرئيس ومثل هذه المؤسسات وقبلها بالطبع عملية التشكيك بفوزه بالإنتخابات الأمر الذي أعاد من جديد قصة المخاوف من إحتمال تعرضه لعملية إغتيال أو ربما تحديد لسلطاته من قبل الكونغرس المنقسم على نفسه حيال هذه الظاهرة الجديدة في  اميركا وربما الغرب عموما في المستقبل.وإذا كان الداخل الأميركي الذي لم يفاجئه وصول باراك اوباما الأسود الى البيت الأبيض قد فوجئ بالابيض دونالد ترامب بسبب تغييره قواعد اللعبة فإن هذه الظاهرة تبدو أكثر لفتا للنظر خارج الولايات المتحدة لاسيما منطقة الشرق الأوسط. فهذه المنطقة ومنها العديد من الدول العربية وفي المقدمة منها دول الخليج العربي إعتادت العيش منذ الحرب العالمية الثانية طبقا لمبدا تقاسم النفوذ بين العملاقين الأميركي والسوفيتي في مرحلة الحرب الباردة التي إنتهت بتحطم جدار برلين (عام 1989) فسقوط الإتحاد السوفيتي (عام 1992) وبروز الولايات المتحدة كقطب أوحد في الساحة الدولية. ومن الواضح ان من بين مهام هذا القطب الأوحد هو ضمان امن إسرائيل وتامين حماية الدول التي تدور في الفلك الاميركي.
لكن بعد عودة الدب الروسي الى حلبة المنافسة من جديد وبروز متغيرات حاسمة لم تكن متوقعة من قبل مثل ظاهرة الربيع العربي (عام 2011) التي ادت الى إسقاط أنظمة كانت تبدو راسخة (تونس, ليبيا, مصر) واشعلت فتيل ثورات وإنتفاضات وحرب أهلية في دول اخرى (سوريا) فإن وصول ترامب غير المتوقع أثار مخاوف مركبة لاسيما على صعيد الكيفية التي ينظر فيها للعالم وكيف ستتحدد الرؤية الاميركية حيال الملفات التي كان الكثير منها مسكوت عنها بوصفها تقع في دائرة الحماية التقليدية الأميركية.الآن الأمر إختلف إذا ما نظرنا الى مخاوف الآخرين من ترامب لاسيما دول الخليج وإيران وحتى تركيا. العراق سيكون ,ربما, هو البلد الوحيد الذي لايفرق عنده ساكن البيت الابيض, لاسيما بعد إدارته  الحرب ضد داعش بكفاءة قتالية عالية بجهود ابنائه الذين فرضوا واقعا على الارض يصعب تخطيه من قبل أي طرف محلي او إقليمي او دولي. أما الآخرون فكل منهم ينتظر من ترامب .. مفاجأته الخاصة به.