ان الاخبار الكاذبة ليست بالشيء الجديد وهذا يعتمد على ما هو مقصود بالأخبار الكاذبة. ولكن خلال السنة الماضية وخاصة خلال انتخاب دونالد ترامب كرئيس للولايات المتحدة اصبحت الاخبار الكاذب سراطانا تطور من تورم خبيث بسيط الى خطر مميت . واصبح في النهاية امر مرعب . فقد قال احد مراسلي ا لبي بي سي انه كمراسل لهذه المحطة يتطلب مني العمل الصحافي ان اكون محايدا من الناحية السياسية ولكن لا يتوجب علي ان اكون كذلك ( محايدا ) من الناحية الديمقراطية بمفهومها المعاكس للديكتاتورية وهذا ما يجمع عليه الصحافيون المحترفون في البي بي سي. كما اني غير ملزم ان اكون محايدا مع الحقيقة بمفهومها المعاكس للأكاذيب. حيث ان من الشروط الاساسية للديمقراطية هو توفر قبول الحقيقة الاخبار الكاذبة هي اعتداء على الحقيقة وهي على ثلاثة انواع: 1 -اخبار ناتجة عن تعمد نشر معلومات من قبل اشخاص ليس لديهم اي اعتبار للحقيقة ولكن يأملون تقديم قضايا سياسية خاصة غالبا ما تكون متطرفة وتحقيق الربح من خلال النشر على الانترنيت (اولاين) 2- اخبار ناتجة عن نشر معلومات كاذبة من قبل صحافين لا علم لهم بانها كاذبة. ويندرج ضمن هذه الفئة كل الاخطاء حول نقل الحقيقة في تاريخ الصحافة ابتداء من الخداع الى العناوين المبالغة بها كالعنوان الخاصة بالكوميدي البريطاني فريدي ستار الذي اتهموه بأكل الجرذان . ولهذا السبب نقول ان الاخبار الكاذبة ليست بالأمر الجديد . وفي الحقيقة انها قديمة قدم الصحافة ذاتها او ربما اقدم. والمهم حول هذا النوع من الاخبار الكاذبة هو انه غالبا ما يتضمن على الاقل مدخل الى الحقيقة 3-النوع الثالث من الاخبار الكاذبة هو ذلك النوع الذي ازعج دونالد ترامب وسلب راحته . ففي مؤتمره الصحافي الاسبوع الماضي استهدف الرئيس المنتخب محطة السي ان ان ورفض التعاون معها حيث ان سي ان ان كانت قد اكدت\عززت اتهامات ضد ترامب التي كانت قد نشرتها عنه بينما نشر احد مواقها بعد ذلك على النت ملفا يحتوي على اتهامات قال انها غير مؤكدة . مما ادى الى انزعاج واحباط ترامب ولذلك وصف اخبارها بالأخبار الكاذبة. لنفصل ماذكر اعلاه: النوع الاول من الاخبار الكاذبة عبارة عن اكاذيب مقصودة وقد انعشتها وسائل التواصل الاجتماعي فمثلا الاخبار حول تأييد بابا الفاتيكان وتأييد دنزل واشنطن الممثل الامريكي المشهور لتوجهات ترامب كانت كاذبة وكلاهما لم يؤيد ترامب ولكن الملاين من الناس يمكن كانوا قد صدقوا احد الخبرين او كلاهما. والنوع الثالث من الاخبار الكاذبة ليست بكاذبة اطلاقا. انها مجرد اخبار لا يريد بعض الناس الاعتراف بها ويفضلون الصمت ولكن اذا اراد المرء الاعتقاد بان الاعلام يجب ان تكون له الحرية في تمحيص استخدام او استغلال السلطة فان اسكات الاسئلة المشروعة من خلا ل استخدام نعت \عبارة اخبار كاذبة فهذا الاسكات يعتبر عمل غير ديمقراطي. و يعتبر النوعان الاول والثاني ضد العملية الديمقراطية بدرجات متفاوتة . الفرق هو ان الثاني هو من الاخبار الخاطئة وليس من الاخبار الكاذبة ولكن النوع الثالث خطير لأنه استخدم وصف اخبار كاذبة وهو وصف لا يدل على اخبار غير مؤكدة النوع الاول يعتمد على بث الخداع وتلويث سلامة كل ما هو مدني او السلامة المدنية التي تعتمد عليها المجتمعات القوية اما النوع الثاني –الخبر الكاذب- يدمر\يحطم الثقة بالإعلام . اما في الحالة الثالثة استخدام تعبير اخبار كاذبة يشل التدقيق و يخدر التمحيص ويلوث سلامة الروح المدنية والجدير بالذكر يكون موقع جميع الصحافين العاديين ما بين الحقيقة والاكاذيب . ويحاول البعض منهم بجهد اكبر من غيرهم في مقاومة الجذب السحري وبعض الاحيان قد تكون المقاومة قوية. والبعض من الصحافين اذا كان لديهم احترام للذات يبتعدون ابتعادا واضحا عن ما هو بالفعل اكاذيب والتي تختلق النوع الاول من الاخبار الكاذبة تدرك العديد من المنظمات الاعلامية الكبرى ان نشر الاخبار الكاذبة امر خطير وتعمل ضد هذا الامر . فالفيس بوك بعد ان عبرت في البداية عن شكوكها حول تأثير الاخبار الكاذبة في الانتخابات الرئاسية اخذت الامر بشكل جدي فعلا. اما البي بي سي فتستخدم الان اسلوب " تمحيص لإيجاد الحقيقة" وهي خدمة تدقق في حقيقة ما يردها من امور والتي ستتعاون في ذلك مع الفيس بوك . ويذكر انه قبل عدة سنوات اطلقت القناة الرابعة البريطانية خدمة التدقيق من اجل ايجاد الحقيقة والتي تقوم بمهمة مشابه لما ذكر سابقا . وهذه امور مفرحة وتعتبر اجراءات عملية . ولكن يجب مراعاة اهمية قضية فلسفية تتعلق بدور الحقيقة التي تواجه انحسارا في مجتمعاتنا ومن المعروف ان ما من منظمة اعلامية بمقدورها الحديث عن امر مستند على معلومات ضروري للروح المدنية او حل نزاع او ممارسة قضائية للسلطة والقانون ان لم يكن هناك اتفاق على الحقائق الاساسية ولا يستطيع المرء الاختيار في التقدم الى الامام اذا لم يكن بمقدوره الاتفاق على ما قد حدث لذلك من الضروري على ان تكون هناك حقائق او مضامين حقيقية. في الغرب اليوم بشكل عام ولكن ليس بشكل منفرد اصبحت الحقيقة اكثر ضعفا مما كانت في السابق وذلك بسبب دخول وسائل التواصل الاجتماعي الرقمية ويرجع هذا الامر جزئيا الى القول الشائع أنه عندما يأتي الكذب بدرجات تكون الحقيقة مطلقة ولذلك أي شيء يقع على سطح الحقيقة القوية يترك اثرا واضحا. كما يرجع ايضا الى ان الحقيقة مرة وباهضه الثمن وغير محبوبة وغير مقبولة بينما الاكاذيب امر سهل. والجدير بالذكر ان اكتشاف الخبر الحقيقي يتطلب زمنا وجهدا والزمن والجهد يكلفان اموالا . وحالما يجد المرء الخبر الحقيقي عليه التحقق منه وهذا ما يجعله خبرا غير كاذب. ولكن نعم يتطلب التحقق من الشيء وقت كما يتطلب جهد ولكن بعض الاحيان المعلومة المهمة التي يحصل عليها المرء يتبين فيما بعد لم تعد كذلك . فمثلا سيكون الامر مدهشا اذا كان القمر مصنوع من الجبن او ان ملك الروك الفس بريسلي لايزال على قيد الحياة ولكن لا القمر مصنوع من الجبن ولا الفس لايزال على قيد الحياة الاخبار الكاذبة من الصنف الثاني المذكور والتي هي نوع من الاخطاء والمبالغات والتي لابد منها في الصحافة والتي سميتها اخبار مزيفة ستكون دائما معنا في العمل الصحافي . اما النوع الاول من الاخبار الكاذبة يجب مناهضتها وكذلك استخدام مصطلح "الاخبار الكاذبة "لإسكات التمحيص يستحق نفس المعاملة القاسية أي المناهضة الانه لا يمكن للمرء خوض أي من هذه المعارك مالم يكون لديه الاعتقاد الاولي القائل : ان الحقيقة ليست ممكنة فقط ولكن ضرورية و حيوية في حياة الناس. |