ضغط الإنفاق الحكومي ... ألإيفادات أنموذجا

الوضع الذي يمرّ به بلدنا جاء نتيجة أسباب كثيرة منها إنهيار أسعار النفط العالمية وسوء الأداء الحكومي والسياسي وانتشار الفساد والهدر الغير مبرر في الإنفاق وغيرها من الأسباب المشخصة من قبل الجميع, والمهم في هذه الفترة الحرجة من تأريخ بلدنا أن يتكاتف الجميع في التعامل مع الأزمة بشكل واقعي وسليم لتجاوزها وايصال البلد الى برّ الأمان خاصة واننا نمرّ بتحدي كبير ومصيري يتمثل بمعركتنا العادلة ضد الإرهاب الداعشي, ومن الحلول الأساسية التي لها دوراً كبيراً في تقليل خطر الأزمة الاقتصادية هو (ضغط الإنفاق الحكومي) بشكل عام ولجميع مؤسسات الدولة وحصر الإنفاق بالأمور الأساسية والضرورية جداً والتي لايمكن الاستغناء عنها, والحديث عن تفاصيل الإنفاق يطول لأن أبوابه كثيرة ومتشعبة حيث تعودت مؤسساتنا الحكومية على هدر الأموال الكبيرة وبدون وجع قلب.
أحد الأبواب المهمة في الإنفاق الحكومي والتي أردت التركيز عليها في مقالتي هو (باب الإيفادات والسفر) لموظفي الدولة, والذي يريد أن يُدّقق في تفاصيل هذا الباب للأعوام السابقة يجد فيه من الهدر مايشيب له الولدان, حيث كانت تهدر مليارات الدنانير ببذخ وكأن مال الدولة مال سائب, وقد آن الأوان أن تنتبه الحكومة لذلك وتسارع الى إيقاف هذا الهدر الكبير والاسراف الذي لامبرر له وأن تضع التعليمات والضوابط الصارمة لتحقيق ذلك, فيجب تحديد حجم الايفادات الى خارج البلد بالأمور المصيرية والضرورية جداً وايقاف مادون ذلك والاعتذار عن مئات المشاركات الخارجية بسبب الظرف الإقتصادي الحرج للبلاد, ويجب تقليص حجم الوفد المشارك بالمؤتمرات الضرورية الى عدد محدود جداً وضغط الإنفاق الى أقل حد ممكن, فعندما يتم ايفاد أحد السادة الوزراء أو المسؤولين مثلاً فيجب تحديد الأشخاص المرافقين له بعدد قليل جداً من الذين لايمكن الاستغناء عنهم ومنع استصحاب الحمايات الشخصية والمرافقين والحاشية الخاصة والذين يكلفون ميزانية الدولة مبالغ كبيرة, ومن المعروف أن الدول المضيّفة للمؤتمر تقوم بتوفير كافة إجراءات الحماية الأمنية والإدارية والقضايا اللوجستية لضيوف المؤتمر.
يجب على الحكومة أن تنشر ثقافة ترشيد الإنفاق بين المسؤولين بشكل عام وخاصة في الإيفادات الرسمية, فمثلاً عند ذهاب وفد رسمي الى دولة ما فماالذي يمنع أن تقوم سفارتنا الموجودة في تلك الدولة من تهيئة مكان الإقامة والمنام والضيافة للوفد المشارك في مبنى السفارة نفسها, فهل هناك عيباً إذا ما أقام معالي السيد الوزير أو المسؤول في بناية السفارة العراقية لأيام معدودة؟ وهل سيؤثر هذا على أدائه المطلوب في أروقة المؤتمر؟
اعتقد ان الوزير أو المسؤول هو أكثر شخص يجب أن يكون حريصاً على مال الدولة ومن واجبه الوطني أن يُقدّر الظرف الاقتصادي الحرج للبلد ويجب أن يعرف جيداً قيمة كل دينار يُنفق في غير موضعه المناسب, وعليه أن يتذكر دائماً بأن هناك الملايين من الفقراء والأيتام والأرامل والعجزة والذين أوصلوه الى سدة الحكم بأصواتهم الثمينة هم بأمسّ الحاجة الى الكثير من الخدمات الأساسية المفقودة والى إعانات مادية تعينهم على سد احتياجاتهم وحاجات عوائلهم الضرورية, أفلا يستحقون أن يُضحّي معالي السيد الوزير والمسؤول من أجلهم بجزء من (البريستيج) الخاص به خلال فترة الايفاد؟