توحش المجتمع وحلول العودة

 فيلم المزور (The Forger) من بطولة الممثل الاستثنائي جون ترافولتا, يحكي قصة مزور أتعبته الحياة, وهو يعيش أشهر سجنه الاخيرة, تبعث في داخله مشاعر التقصير اتجاه ابنه, فيقرر خوض تحدي كبير, فقط ليحصل على فرصة القرب من ابنه المريض بالسرطان, فيظهر الفلم جليا أهمية الأوقات التي يقضيها الأب مع العائلة, ويوضح أن التكاتف العائلي يوفر للجميع إمكانية عبور المحنة, ويسلط الضوء على أن السعادة الحقيقة تكمن في الاجتماع العائلي, ومساندة بعضهم بعضا في أوقات, كما أن السعادة تكون لها معنى مختلف عندما تتقاسمها العائلة. القيم يمكن أن نكسبها من الترابط الأسري, والحماية تكون حاضرة للإنسان من خلال هذا الترابط, وهذه الحماية تكون عبر البناء الصحيح للشخصية, والدعم اللا محدود من قبل العائلة للفرد, حتى الوصول للنضوج التام وتطوير المهارات, وهو ما أكد عليه ديننا, وما يعمل عليه الغرب بجد واجتهاد, فعندهم الهدف الأسمى هو بناء مجتمع ناضج, لكن نحن كمجتمع مع الأسف تركنا الكنوز التي نملكها, لنغرق في بحر لا شواطئ له. الحياة ألان تتسم بغرابة عجيبة, حيث هنالك انسلاخ مخيف عن ما هو واجب, والذوبان التام بالفوضى. لنلقي نظرة على واقعنا, عن ما يحدث كي نفهم أين نتجه اجتماعيا, الإخبار المخيفة التي تعلن عن جرائم ترتكب بحق الإنسان العراقي, كثيرة جدا, وتكاد تصبح معتادة لاستمرارها, كأننا في غابة وليس مجتمع أنساني, ومنها خبر كمثال نسرده هنا, وقد تناقلته المواقع الخبرية العراقية, عن قيام أب بتعذيب ابنه بأدوات جارحه, والابن مجرد طفل لا يتجاوز ثمان سنوات, حتى الصور التي نشرت مرعبة, حيث قام الأب بإزالة الجلد عن ساق ابنه, كنوع شديد من التعذيب, يدلل على حالة مرضية متأخرة, وكاد الأب أن يقتل الابن, لولا تدخل الجيران على صوت استغاثة الطفل. قصة تحصل كثيرا, انه العنف المتولد من ضغط المحيط والجهل المطبق, وغياب الحامي للضعفاء, أنها ثغرات بشعة في القانون وأعراف العشيرة وقيم المجتمع, حيث تم التغاضي عن التوحش وعدم تقييده بصرامة. المجتمع يتجه للتوحش, القيم تضعف في حياة الناس, بسبب عوامل كثيرة وذات تأثير مرعب, فالحروب المتوالية التي دخلها الطاغية, ثم الإرهاب وحرب داعش, وانتشار أفكار الذبح والسبي والاغتصاب, ثم نار الطائفية, مع الظروف الأخرى كغياب الوعي, والبطالة والفقر, بالاضافة لتشكل طبقة برجوازية تزيد من سحق الشعب, كلها أسهمت في انتشار الحالات العدوانية والمرضية, والانسلاخ عن الفطرة, وانحراف للكثير من السلوكيات, بل نكوص أخرى. فاخذ يتشكل فهم معاكس للفطرة, مثلا أصبح الكذب فن وشطارة, والأجرام يرى بأنه شجاعة, واللصوصية تفهم بأنها رجولة, والزنا والتجاوز على الأعراض يعتبر بطولة, والتملق ينظر له بأنه ذكاء, والنفاق يفهم بأنه سياسة ناجحة وحنكة. هكذا حصل الانقلاع من جذور الفطرة, نحو الانحراف المخيفة لسلوكيات فئات واسعة من المجتمع, وهي تجد التشجيع على هذا الانحراف في السلوك والقيم. التوحش الحالي للمجتمع سببه التفكك الأسري, فلا محاسب ولا رقيب, ولا شخص كبير تكون له هيبة عند الآخرين, فيمتنعوا عن فعل الأخطاء, والأعلام العراقي الذي يدعم الفوضى ويقدم كل ما يسهم في تسفيه الوعي, أما المنابر فإنها فقد تدريجيا التأثير الايجابي, وتحولت الى منابر سياسية فقط. نحتاج اليوم عدة أمور كي نرجع لدائرة الأمن, وهي ثلاث أمور أساسية: أولا: العودة الى الجو العائلي, والى شد الأواصر معا, نحتاج الى التقارب ما بيننا, بين الأسرة, وبين الجيران, وبين أهل الحي, فالتقارب كفيل بحل الكثير مما نواجه, والمحنة تصبح مواجهتها أسهل, مع مساندة الأحبة. ثانيا: نحتاج الى أن يكون للأعلام دور اكبر في عملية تهذيب السلوك وتشخيص الانحراف, بدل من تفعله الفضائيات اليوم من عملية هدم خطيرة للعائلة العراقية. ثالثا: نحتاج الى خطة واضحة المعالم, ما بين الحكومة والأعلام والمنابر, في كيفية أصلاح الحال السيء, وحل الإشكاليات عبر خطوات عملية.