بين الحكومة والمواطن.. خيط

 

 كما هو معلوم، أن التأريخ يسجل الأحداث ويقيدها بحروف عريضة وبارزة، ولا أظنه يوما قد مسح حرفا أو حرّفه، إذ هو صادق رغم المتلاعبين والمحرفين، فمهما بلغت ألاعيبهم في تغيير الأحداث، لن يصلوا الى طمس حقائق وثوابت سجلتها الأجيال في ذاكرتها.

   أغلبنا يتذكر جيدا وسائل الإعلام المرئية التي كانت متاحة أمامنا في زمن النظام الـ (ساقط)..! ولاسيما الذين وعوا على سني السبعينيات والثمانينيات، إذ لم تكن غير قناة 9.. ثم أتت قناة 7 برحمة من لدن النظام الحاكم أنذاك، وكلنا يتذكر التعتيم الإعلامي الذي كان سياسة هاتين القناتين، وتخصيص الخبر والمعلومة والتحقيق والتقرير، وحصرها لتصب في زاوية البعث والنظام السادي والدموي، فتعكس عنه صورة براقة عكس ماكان عليه. اليوم.. وبحمد الله أولا.. والأقمار الصناعية ثانيا.. والنظام الـ (سائد) حاليا..! لدينا من وسائل الإعلام المرئية مالا يمكننا متابعته في ليلة وضحاها، ولا في سنة وعقباها، علاوة على الأخبار التي تردنا عاجلة وآجلة على هواتفنا النقالة، وكل هذه الوسائل من المفترض أن تكون رحمة لانقمة، إذ هي تنقل الخبر من وجوهه كافة، ليتسنى على كل فرد منا الحكم بما يراه صحيحا، وفق ما ينتمي اليه من معتقد وفكر وقناعة وجماعة يثق بما تنقله من أخبار.

  واليوم أيضا.. تزدحم الساحة العراقية بكم هائل من الأخبار والأحداث التي تمطرها علينا تلك الوسائل على الأصعدة كافة، وأغلبها غير سارة للمواطن البسيط، وغير مفرحة لمن يحب العراق، ويريد العيش فيه بسلام ووئام تامين. مقابل هذا هي بشائر سارة لمن يريد للعراق التأخر والتقهقر، والبقاء في خانة الدول التي تفوز دائما بالمرتبة الأولى في الفساد والجريمة وانعدام حقوق الانسان، وتفشي الفقر والجهل والأمية والمرض، وهجرة العقول والصراع بين القوميات والأطياف، فضلا عن الدم والقتل والدمار الذي يطال الأزقة والمحلات والأسواق وبيوت الله والمدراس، وباقي المرافئ التي تحتضن المواطنين الأبرياء. وهذا كله أمر محسوب حسابه بشكل دقيق من قبل جهات من المؤسف أنها تتربع على أعلى المناصب في البلد، وبيدها دفة القيادة بشكل أو بآخر. 

  ويأتي في صدارة الكم الهائل من الأخبار، الوضع الأمني، الذي عادة ماتتصدر أخباره وتقاريره الصفحات الأولى من الصحف اليومية بالمانشيت العريض والطويل، ولاتخلو فضائية من سبتايتلات متصلة تسرد العواجل من الكوارث التي تحدث في الشارع العراقي، بانفجار او اغتيال او خطف او اقتحام. ومن المؤكد أن هم المواطن ومبتلاه يقع أولا وآخرا في الجانب الأمني من حياته، وهو من أبسط حقوقه وعلى الدولة والحكومة توفيره له. 

    وسواء إن رضيت الحكومة والدولة أم أبتا..! فإن ركاكة الأوضاع الأمنية لاسيما حدثا مثل انهيار الموصل قبل عامين ونصف، وماتبعه من تداعيات، خلق هوة سحيقة بينهما -مضافا اليهما المنظومة الأمنية والعسكرية مجتمعين- من جهة.. وبين المواطن من جهة أخرى، وليس من السهل ردم هذه الهوة من خلال تصريحات أو خطابات او تطمينات سئم المواطن سماعها، بعد أن نفد صبره من الانتكاسات المتلاحقة التي منيت بها الحكومات المتعاقبة على حكمه والمتسلطة على قراره وحاضره ومستقبله، ومن غير المعقول أن ينسى المواطن الخروقات التي تكررت خلال السنتين الماضيتين، وعلى وجه التحديد بعد خروج القوات الأمريكية من العراق. 

إذن..! فحدث الموصل لم يكن خرقا جديدا في الساحة العراقية، بل كان تاجا من الخيبات والإحباطات توّجت به السلطة سابقات إحباطاتها، بما لايدع مجالا للمواطن بمنح قياداته الثقة المطلقة، وهذا أمر لاأظنه اتهاما لها بقدر ماهو شكوى وعتب عليها، وإذا كانت هناك نية صادقة خالصة بإعادة تلك الثقة، فعلى القيادة -بشخوصها كافة- الإخلاص والصدق بدءا بالتصريحات والأقوال.. لترتقي بعدها الى الصدق والإخلاص بالأفعال، مايفضي بالنتيجة الى حسن النتائج وتبييض صورة كانت قد تشوهت في نظر المواطن، ولعل بتحرير الموصل يعود شيء من الثقة بين المواطن وحكومته.

aliali6212g@gmail.com