ولنا في ساستنا أسوة ولكن!

 

    مازالت الأمواج في ساحة عراقنا الجديد تتلاطم في لج بحور عديدة، وكأن ظلم العقود الماضية وظلماتها لم تكفِ السلاطين الذين تناوبوا على استحواذ هذه الرقعة الجغرافية (فلاحة ملاچة) سحتا، ولم تروهم أرضها دماءً، ولم تشبع غرائزهم السادية في جلد ابناء هذا البلد، الذين ولدتهم أمهاتهم أحرارا فاستعذبوا استعبادهم. ومعلوم أن المقارنات عادة ماتكون بين رديء وجيد، او بين جيد وأجود، او سيئ وحسن، أو بين حسن وأحسن، لكن، ولسوء طالع العراقيين نرى ان العقود تتعاقب عليهم وهم بين خيارين لاثالث لهما، فهم بين السيئ والأسوأ، وكذلك الأحوال بين الرديء والأكثر رداءة، إذ لا وجود للأجود والأحسن ولا للجيد والحسن في يومهم. ولسوء طالع العراقيين أيضا، أن القريب والـ (منك وبيك) هم الذين تصدر منهم الإساءة، فكأنهم يحتكرون الطيب -إن وجد- ويبدون الخبث ويتعاملون وفقه، ولعل بيت طرفة بن العبد الذي أنشده قبل 1450 عاما يجسد ألم المعاناة حين تأتي من قريب فقال:

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة

على النفس من وقع الحسام المهند

     وقد شكى طرفة فيه الظلم الواقع من القريب حصرا، إذ الغريب ديدنه الأذى بأشكاله كلها، وليس جديدا او غريبا إن ظلم أو قسا، ولعل صاحب مثلنا الدارج حاكاه في مقصده، حيث قال: (الحمى تجي من الكراعين)..!

  يروى ان رجلا حكم عليه بالرجم لذنب اقترفه، فدفن في حفرة حتى منتصف جسده، واخذ جميع المارة يلقمونه بما يقع بأيديهم من الحجارة بأشكالها وأحجامها، وكان المرجوم صامتا لايشكو من الحجارات التي تصيبه، مع أن الجميع كانوا يرمونها بما أوتوا من قوة، الى أن مر أحدهم وكانت في يده وردة يستطيب عطرها فرجمه بها، فما كان من صاحبنا الا ان صرخ صرخة عالية، وراح يتأوه ويصيح من شدة الألم، الأمر الذي لفت أنظار الناس جميعا، فأمسكوا عن قذفه بالحجارة، وأقبلوا عليه يسألونه عن سر صراخه وتألمه من الوردة، في وقت لم يكن يبالي بما يصيبه من أحجار، فقال: ان الذي ضربني بالوردة كان من خيرة اصدقائي، وقد تسببت الوردة بألم مبرح لم أطقه، وكان وقعها أشد وأقسى من جميع حجاراتكم.

  هكذا إذن، ترتبط شدة الألم والمعاناة ارتباطا وثيقا بمن تسبب فيهما، وكم هو كبير ذاك الإحباط الذي يصيبنا إن كان المسبب قريبا منا أو كما نقول؛ (منا وبينا). ولعلي أوفق في التشبيه والتجسيد فيما أنا ماضٍ فيه، إن ذكرت أبيات الشاعر الجاهلي علي بن فضال المجاشعي التي قال فيها:

وإخوان حسبتهم دروعا 

 فكانوها ولكن للأعادي

وخلتهم سهاما صائبات 

 فكانوها ولكن في فؤادي

وقالوا قد صفت منا قلوب 

 لقد صدقوا ولكن من ودادي

وقالوا قد سعينا كل سعي 

 لقد صدقوا ولكن في فسادي

   إن ماقاله الشاعران آنفا الذكر كان قبل قرون عدة، فهل ياترى ارعوى الإخوان وذوو القربى واتعظوا بها؟ أم تمادوا في الظلم والأذى!. لا أظن الإجابة بعيدة عنا جميعا، ولنا في ساستنا وحاكمينا ومن أشرنا اليهم بأصابعنا البنفسجية مرات ثلاث خير مثال.

aliali6212g@gmail.com