عندما تصبح الحقوق الأصيلة.. منحة ومنة |
في أحد الأيام, وعندما كنت في موقع مسؤولية, بالكاد يمكن تسميته منصبا, حضر أحد الموظفين, وكنت قد أنجزت له قضية, عادت عليه بمكافأة مالية بسيطة.. بقي هذا الرجل يشكر ويثني على جهودي الخيرة.. ورغم إني كررت عليه, أنني لم أؤدي إلا عملي, وأن ما حصل عليه, هو حقه فقط, إلا أن أنه بقي يحمدني ويشكرني على " فضلي العظيم" عليه. عندما خرج الرجل, بقيت منزعجا جدا, رغم أني لم أظهر ذلك له, وأكتفيت بالإبتسام فقط, لكن ما ضايقني حقا, قناعته المطلقة, أن ما حصل عليه, هو فضل مني ومنة؟! قناعة خطيرة, ومنهج كارثي, أن تتحول الحقوق الأصيلة, الى منحة ومنة من المسؤول.. وهي ثقافة بعثية بإمتياز, فهم من أشاع فكرة, المكارم السخية للقائد الأوحد, وتبعهم على ذلك, بعض أشباه المسؤولين, في هذه الأيام.. فقلدوا البعثيين وإن لم ينتموا. هناك خدمات وحقوق, تقدمها الدولة لمواطنيها, لتسيير حياتهم, وتحسين ظروفهم المعيشية, أو لزيادة رفاهيتهم, بطريقة تراها مناسبة, ومن المال العام.. ورغم أنها منح, لكن لا يجوز المن بها.. فهي ليست من جيب السيد المسؤول, مهما علا منصبه.. وهذا لا يعني أن من يمنح من جيبه للأخرين شيئا, يليق به أو يصح منه, أن يمن بما منح. المشكلة الأكبر في الموضوع, ليست في منة السيد المسؤول, بل تتعلق بقبول الأخر, أن حقه الذي أكتسبه بحكم, إنسانيته ومواطنته, هو منحة ويجب أن يقدم الشكر عليها, وربما فروض الطاعة؟! هل يمكن أن نصدق ونقبل, أن هناك من يقدم الشكر لمسؤوليه, لأنهم منحوه راتبه الذي, أخذه لقاء ما قدم من عمل؟! أي تنازل سنقدمه, عن إنسانيتنا وحقوق مواطنتنا, بعد ذلك؟! ربما يجب ان نسال أنفسنا بعدها, إن كان يجب أن نشكر السيد المسؤول, عن الهواء الذي نتنفسه؟! |