أمَّة عَلِّي وعُمَر، إلى أينْ ؟ |
لَم یَخرج شعار "الوحدة الاسلامیة" المقدَّس، منذُ اطلاقه الی الآن عن دائرةِ الشعار في أفضل أحواله، فهناكَ مَن یأبی تبنِّیه حتّی بلقلقة لسان، رغم قناعته أن مایُباعد بین المسلمین لیس أکبر ممّا یُوحِّدهم. مؤتمرات الوحدة التي تُعقد سنویا منذ عقود باکثر من بلد، في ايران والعراق ومصر ولبنان ومؤخرا في الشيشان وغيرها، كلها تعدِّ خطوة بالاتجاه الصحیح نظریا ولاشك في ذلك، لکنها لم تقدِّم الكثير، بل حتى اليسير علی أرض الواقع، سوی المجاملات وبعض الابتسامات والمصافحات، تلیها موائد غداء وعشاء !. المُشکلة أنَّ الخطوة الایجابیة هذه لَم تلحَقها خطوات أخری، وأوضاعِ العالم الاسلامي 'الکارثیة' خیرُ دلیل على ذلك.
لاینقصُ هذه الاجتماعات شيء اطلاقا سوی الإرادة الحقیقیة، لکنها لاتتوفر الآن ولایلوحُ في الأفقِ مایبعثُ على الأمل بهذا الصدد. فرغم انَّ حجم التَّحدیات التي تواجهنا جميعا، یتطلبُ قدرًا کبیرًا من التماسُكِ والتآلف، الا أنَّ أمة محمَّد لَم تعُد تدركُ، انها مُستهدفة دون تمییز ولافرق لدی العدوّ بین أعجميٍ وعربيٍ، وشیعيٍ وسنيٍ. أمة عَلي و عُمر، لم تستوعب بعد، أن عَلِیا وعُمَر بالنسبة لمن یستهدف عقیدتها وتاریخها -واحِدْ- !. لكن ياتری ماهي أسباب کل هذا الجهل والتخلف، وما الذي یجب فعله ؟.
لا أشك قيد أنملة، أن السبب الرئیس هو وجود الأنظمة البعیدة عن الاسلام 'خاصة العميلة منها' علی رأس الشعوب المسلمة، وان المحن والنکبات التي تتوالی علینا انما نتیجة طبیعیة للتشتت والتشرذم والفرقة التي اوجدتها تلك الأنظمة في مجتمعاتها. فلو توحدت الأمم المسلمة من نایجیریا الی اندونیسیا، لتساقطت تلك القوی المستبدة، المفروضة بالقوة، واحدة تلو الأخری. لکن الحدیث بمنطق "لو" لم یعد مجديا ونحن نمُرُّ بأبشع مرحلة زمنیة في العصر الحدیث من تعايش بات یهدد مستقبل الأمَّة برمتها، -لذا- لابدَّ من التعریجِ علی بعض النقاط بواقعية تامة، لعلَّها تُسْمَع فتُدْرَك، لتَنفَعْ.
أولا، یجبُ التنویه لکلِّ من لایهمه امر الوحدة بین المسلمین ویراهُ شعارا فضفاضا لايصلح الا داخل الندوات، ان "الوحدة" بنظر الاسلام لیست زینة او حاجة او دعوة فقط، انما ضرورة من ضرورات الايمان وفريضة لابد منها وشريعة تقع على عاتق الجميع.
ثانيا، لاينفع ان تسعى نسبة ضئيلة فقط من المسلمين من اجل الوحدة مهما كانت نواياها خالصة، فمفهوم الشعار لايتحقق إلّا بمشاركة الأكثرية. اندونيسيا وباكستان ومصر وايران وتركيا والجزائر وبنغلاديش ونايجيريا والمغرب والعراق والسعودية، تضم قرابة مليار مسلم واي خطوة تاريخية صادقة نحو لم شمل هذه البلدان، ستشكل نقطة عطف في تاريخ المسلمين وبداية نهضة اسلامية حقيقية.
ثالثا، سوف لن يتحقق المُراد بتهديم جدران الحقد والكراهية وبناء جسور المحبة والوئام، إلّا بوضع حد لأئمة الكفر، شيعة كانوا أو سنة. لابد من انهائهم قسرا وبِلُغَتِهِم، حتى وإن كَلَّفَ ذلك غاليا في بادئ الأمر نظرا لوجود مؤيدين لهم ظَلّوا طريقهم. فجريمتهم الكبرى 'بث الفتنة' وهي اشدُّ من القتل بتعبير الباري، وَهُوَ أرْحَم الرّاحِميٰنْ. ولعل من انجع الطرق واقصرها للوصول الى المقصد، هو ان تبادر المرجعيات الدينية المحترمة الى جانب خطباء المنابر بالسير في هذا الطريق. على الأزهر من جانب وحوزتي 'النجف وقم' من جانب آخر، اخراس الشواذ المحسوبين على المذهبين السني والشيعي 'أيًّا كانوا'، دون تردُّدٍ وبحزمٍ قاطعٍ وقبل فواتِ الأوان. فأي تعلل اضافي وتسامح آخرٍ مع الأصوات النشاز، من شأنهما اشعال صراع سيقضي على ماتبقى من بصيص أمل نحو مستقبل الأمة.
رابعا، كلُّ من يتملَّص من مسؤليِّاته في تعديل مسار المسلمين، شريكٌ في الفتنة المذهبية الدائرة وتبعاتها. وهنا اذ احمِّلُ الساسة ورجال الدين والنخب معظم المسؤولية، لكنني لا اتردَّدُ بتوجيه اصابع الاتهام ايضا لكل فرد يتمتع بقواه العقلية من فئات المجتمع، رجالا ونساءا، فالكلُّ راع والكلُّ مسؤولٌ عن رعيته.
ورغم كل ماقيل، فانَّ الأمة الاسلامیة التي حمَّلها الله مسؤولیة الهدایة وقیادة البشریة، قد مرَّت بمرحلة قوة هائلة علی صعید المعمورة بل شكَّلت أساسًا لبناء حضارة الانسان المعاصر بتألقها ولقرون مديدة في السياسة والعسكر والعلم والأدب والاقتصاد على حساب 'الغرب' الذي قبع وبشكل مهول 'حينها' في الجهل والتخلف والقتل والإضطهاد، أضعاف مانحن عليه الآن. من هنا، لابد من استعادة الثقة بالنفس قليلا والتوصل الى قناعة راسخة، اننا قادرون على استعادة زمام المبادرة من جديد، ولاشيء مستحيل في حال توفرت الأسباب. على الأمة أن تعي أن لها دورٌ الٰهيٌ مرتقب شريطة وحدتها ولاتيأس، وإنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حَتّىٰ يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم. |