الفهم الغائب والشرق الخائب!!

 

جوهر المشاكل الدائرة في الشرق الأوسط يمكن تلخيصه بعدم الفهم المتبادل ما بين الشرق والغرب , ما بين الدول الغربية ودول الشرق الأوسط وخصوصا العربية.

 

فهذه الدول بعيدة كل البعد عن فهم بعضها البعض , فلا الغرب يفهم ولا الشرق يفهم , ويتركز هذا الجهل في الدول العربية التي يجهلها الغرب تماما وتجهله بالكامل.

 

وقد أسهم في هذا التجهيل معظم العرب المدعين بالثقافة والفكر والمعرفة , من إختصاصيين ومفكرين وسياسيين , وحملة أقلام جاهلين منبهرين متوهمين يقرؤن بمنظار الآخرين , وقد دأبوا على ذات المنوال والنمطية منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى اليوم , فقدموا صورة مزيفة عن الحالتين.

 

والعلة أن الآخر يتصور ويرى والعرب يهللون لتصوراته ورؤاه , ويتمسكون بها ويحسبونها حقائق وتوصيفات صائبة , فيساهمون بتجهيل الآخرين في الدول الغربية وأمريكا.

 

فالعرب يستحضرون النظريات الأجنبية ويتوهمون بأنها الأصدق في تفسير أحوالهم , ومعظم النظريات التي يعتنقونها لا تمت بصلة لواقعهم وأحوالهم , لكنهم يؤكدونها فيساهمون في تجهيل الآخر بهم.

 

وعلى ضوء آليات التجهيل المتوالدة , يتحقق التفاعل المعوق والمدمر للأحوال والحياة , فالدول الأجنبية تتصور أنها تقوم بالعمل الصائب والصحيح , وفقا لما عززه عندها المُجهّلون لها من المفكرين والمثقفين والكتاب العرب , فتسعى في مسارت ومشاريع تساهم بتعقيد الأمور وصناعة الويلات الكبرى.

 

وبسبب هذا التجهيل المتبادل والفائق التأثير صار العرب بلا معنى ولا عنوان , وينطبق عليهم أي توصيف وترسيم وإتهام وتقدير , ويلحق بهم أي فعل وقرار , لأنهم يقدمون أنفسهم على أنهم أهل لما يحل بهم ويدور في ديارهم.

 

فعلى سبيل المثال , يقدم العرب أنفسهم للأجنبي من خلال أنظمتهم  , على أنهم مع أنظمتهم المدمرة لوجودهم , وأنهم سعيدون وراضون على إنتهاب ثرواتهم , ويستلطفون فقرهم وإستحواذ بعضهم على مصيرهم وثرواتهم.

 

كما أنهم يقدمون أنفسهم للآخرين على أن سلوك القتل لبعضهم مستساغ وغير مرفوض , وهو جزء من عاداتهم وتقاليدهم , وأنهم قد مضوا عليه لمئات السنين.

 

وبهذا فهم يغذون النزعة الخاطئة والرؤى الكاذبة عنهم , وكأنهم ليسوا للبشرية بصلة ولا للإنسانية بعلاقة وإنما هم خارج ذلك وضده.

 

وتمضي التفاعلات التجهيلية الخاطئة المبرمجة , لتحقق حالات قاسية في الواقع العربي , تطغى على وسائل الإعلام وتؤازر الرؤية المنحرفة عن العرب.

 

ولهذا فأن المشاكل العربية لا يمكنها أن تصل إلى حل , بسبب الإمعان السافر بالتجهيل المتبادل ما بين جميع الأطراف والقوى والفئات والأحزاب , والتي تصيب الدول الأجنبية في قراراتها ومشاريعها وبرامجها , ما دامت تمعن بجهل العرب وتفرض رؤيتها عليهم , وتجد الكثيرين من العرب المسوقين لرؤاها والمستعدين لتوظيفها في نشاطاتتهم وكتاباتهم وخطاباتهم , حتى ليُجبرون الناس على التوهم بغير طبائعهم!!

 

فهل سيعرف العرب أنفسهم ويؤكدون هويتهم ودورهم الإنساني بإرادتهم؟!!