حِينَ يباع الشرف بالترف

يقول خالد بن زويله الحضرمي والذي هاجر الى زنجبار بعد أن اتهمه حاكم مسقط وكان مقيم فيها على أنه من بهرة الطقوس الهندية والذين يعتبرون من فرق الشعة ويميلون بالمحبة والولاء والتقديس الى كل أمام اثني عشري قتل بسيف.
يقول بن زويله : الشرف عدو الترف ، لأن الترف يحتاج الى ما تتنازل فيه عن العفة لتنال المال والذهب ، فيما الشرف في اغلبه يتحقق في الفقر وموت الشهادة في سبيل الله والوطن.
كان ذلك المقال قبل اكثر من خمسمائة عام ، ولكنه لم يصدأ او يركن في النسيان ، وحتى إن لم يتحقق في كتاب فأنه موجود في مخطوطة مكتوبة على جلد غزال ومحفوظة في جامع صغير في مدينة في زنجبار .
واحد من  الرحالة العرب الاثرياء اراد شراءها ولكن أمام الجامع رفض بيعها ، وسلمها الى الحكومة المحلية التي بدورها سلمتها ضمن انتيكات وتحف افريقية الى القنصل الفرنسي ، والذي بدوره ارسلها الى باريس ، وترجمت المخطوطة الى الفرنسية ، واودعت في الجناح الاسلامي بمتحف اللوفر .ويقال ان ديغول قرأ المخطوطة صدفة وقال :ينبغي ان نتعلم من الذي نطق هذه الكلمات .ديغول تعلم .وساسة القومية الذي ينتمي اليها خالد بن رويله الحضرمي لم يتعلموا .والسبب كما ذيلهُ مؤلف تلك المخطوطة الشرقية : (( أننا امة تعتقد أن الحلم يبيح لها والسماء تسمح لها والسيف يعطيها الحق ووهم بلاغة الكلام عندنا عون في جعل الترف غاية في الخفاء ، وفي العلن نحن مع الله وفقراءه.)).
هذه الازدواجية كتبت بخط رجل منفي وقد ترك الترف وكان تاجر توابل يجلبها من الهند بمراكب كبيرة .تركها من اجل شرف يعتقد ان الانتماء اليه قضية لا تباع ولا تشترى.
لا ادري إن كان هو من البهرة حقا ، ولكنه شعر بأن تهمة تلتصق به فأما يبيع عزة وكرامة وانتماء ما يسكن روحه ويبقي على تجارته ، وأما يختار جهة الشرف وهي المنفى.
  الشرف كان من مدونة المباديء التي ابتدأت معنا منذ القراءة الخلدونية الى نيل شهادة الدكتوراه ، وهذا الترف الذي يزعزع بناء مفهوم الانتماء لديك الى الارض او الذاكرة او التأريخ قد يعتبره الوطنيون فقدان شيء من الشرف . وقد تختلف جهات انتماء هذا الشرف ، فقد يكون شرف المهنة او شرف القَسم او الشرف الوطني او شرف العرض او شرف العاطفة او شرف الموقف ، ولكنها في النهاية تصب في مكان واحد هو الاوردة والشرايين في الجسد البشري .
ومن ليس له غيرة وحرص على ما أؤتمن عليه ،  ليس له شرايين واوردة ودم عندما يفكر ان يبيع امانة القسم في منصبه من اجل ترف الحياة واساطيل السيارات والسفر بالطائرات وشراء الشقق والفيلات ...تلك التاءات الممدوة هي من خلقت هذا البون الواسع بين الطبقات والمذاهب في جسد إمه ارادها حمد ( ص ) ما قاله كتاب الله :انتم خير امة اخرجت للناس.لكن المخرج الآن في صورة مغايرة تماما لحلم النبي بعد أن شعر انه اكمل وأتم الرسالة ورضي لنا بالاسلام دينا. فداعش عابثة في اسوء صور الممارسة والتكفير .ولصوص المناصب تطاردهم لجان النزاهة فيهربون منها بحيل الاحتماء وراء هالة النضال القديم ومنابر الخطابة ز الصلاة والحيلة القانونية ، فصار الترف حياة النخبة . الملوك والرؤساء والامراء والوزراء وما تحت مناصبهم باربع درجات .
بين ما كتبه خالد بن رويله الحضرمي وبين عصرنا هذا شيء واحد يكون بالنسبة لي كما خنجر بروتس في خاصرة القيصر ذلك عندما تبيع ما هو ليس لك وانما انت مؤتمن عليه .حتى لو كانت طابوقة في دكة دكان عطار اودعه لديك لأنه ذاهب الى الحج او زيارة الامام الرضا ( ع ) .....!