قصص معاناة مغترب - الحلقة الأولى / قصة جواز المرور

 

يتعرض الطالب الذي يتغرب خارج وطنه لمصاعب جمة لانه يواجه اختلافاً في البلد واللغة والمعاملة والمأكل والطقس ونقص في المال والحنين الى الوطن وضغوط نفسية ذات اليمين وذات الشمال. إلا انه يصبّر نفسه بكل ثبات وعزم في امل الحصول على الشهادة التي جاء من اجلها ثم يعود الى الوطن العزيز مرفوع الرأس، فيساهم في رفعة بلده وتطوير مستقبله. عشت هذه التجربة لعشر سنين طويلة ببريطانيا وجابهتني الكثير من المواقف الصعبة التي جعلتني اكثر جلادة في مواجهة المصاعب. لذا قررت سرد هذه المسلسلة من القصص على القراء علهم يستشفون منها العبر فهي قصص واقعية ولم يتسنى للخيال ان ينسج منها شباكاً.

ابدأ قصتي الاولى والتي اسميتها قصة جواز المرور.

في عام 1970 طلبت من والدتي بالحاح كي تبعثني الى بريطانيا لغرض اكمال الدراسة هناك وانا في سن السادسة عشر (بالرغم من اعتراضاتها الشديدة لكنها لم تثنيني عن قراري) وكان ذلك بعد ان حصلت على شهادة الثالث المتوسط في العراق. قام احد اقاربي من المغتربين بشكل دائم في شمال بريطانيا بتسجيلي بمدرسة داخلي شمال بريطانيا على الحدود الاسكتلندية الانكليزية في قرية صغيرة تدعى سنت بيز والتي تبعد عن العاصمة لندن بحوالي 300 ميل اي ما يقارب من 500 كلم. وبعد مرور سنة دراسية كاملة على مكوثي بتلك المدرسة الداخلي كتبت لوالدتي وطلبت منها كي ترسل لي تذكرة سفر كي اعود بها لزيارة الوطن بمناسبة حلول العطلة الصيفية. فاجابتني برسالة تخبرني فيها انها دفعت ثمن تذكرة الطائرة بالخطوط الجوية العراقية ببغداد، وان بامكاني استلام التذكرة من لندن العاصمة متى ما شئت. فوراً توجهت الى السيد (دل) مدير قسمنا الداخلي كي استلم منه جواز سفري فقلت له، "الا اعطيتني جواز سفري لان موعد الرحيل قد قرب ولم يبقى سوى اسبوعان على العطلة الصيفية؟" فنظر الي بتعجب وقال:

- انت لم تعطني جواز سفرك.

- هذا ليس صحيحاً سيدي، فقد سلمتك جواز سفري بعد ان خُتِمَتْ الاقامة عليه من قبل دائرة الجوازات والهجرة.

السيد دل: سابحث لك عن الجواز في الخزانة الحديدية علني اكون غلطاناً مع اني لا اعتقد ان ما تقوله صحيحاً.

- اقسم لك سيدي انني ...

السيد دل: لا تقسم بشيء، تعال معي وسافتح لك الخزانة وسترى بام عينيك.

ذهبت معه وانا متأكد من انه سيجد جوازي هناك لاني متأكد كوني سلمته الجواز بيدي. الا انه فتح الخزنة الحديدة وفسح لي المجال كي انظر بداخلها. لم اجد فيها سوى بعض الاوراق التابعة لبعض الطلاب الاخرين الا ان جوازي لم يكن بينها. صعقت وصرت ابكي وقلت بصوت عالٍ،

- ان امي قد بعثت لي بتذكرة سفر والتذكرة تنتضرني بلندن عند شركة الطيران، اقسم لك سيدي انني سلمتك الجواز وباقي اوراقي معها بعد ان استرجعتها من الشرطي بقريتنا (قرية سنت بيز).

السيد دل: انت مخطيء يا سيد فخري. ربما نسي الشرطي اعطائك الجواز.

- هذا مستحيل. فانا اذكر جيداً... فقاطعني وقال،

اسمعني جيداً. لما لا تذهب للشرطي الآن وتسأله بنفسك، عله يستطيع مساعدتك؟

 خرجت من مكتبه وانا مسرع كي اذهب الى القرية. وجريت باتجاه بيت الشرطي. وعندما بلغت بيته طرقت الباب ففتحت لي زوجته فعرفتني فوراً ودعتني للدخول ثم عرضت علي شيء من الشاي والبسكويت الا اني اعتذرت منها وقلت لها ان لدي امر مهماً وخطيراً جداً اريد التحدث به مع زوجها. ادخلتني على زوجها فوجدته جالساً خلف مكتبه يكتب بدفتر كبير. رفع رأسه وابتسم لي ابتسامة رقيقة وقال: بماذا استطيع ان اساعدك؟

- سيدي لقد ضاع جواز سفري.

الشرطي: وكيف حصل ذلك؟

- اتذكر انك سلمتني اياه عندما عاد الجواز من دائرة الجوازات؟

الشرطي: اجل اذكر ذلك. واذكر جيداً اني نصحتك بان تأخذه مباشرة الى مدير قسمك السيد دل.

- وهذا ما فعلت فعلاً، الا ان السيد دل ينكر ذلك.

ابتسم الشرطي ابتسامة مطمئنة وقال،

الشرطي: لا تقلق كثيراً فالجواز هو مجرد دفتر صغير ويحتوي على بضع اوراق. وباسوأ الاحوال تتمكن من الحصول على بديل له في سفارة بلدكم بلندن.

- شكراً لك سيدي. ساحاول ما في وسعي.

رجعت للقسم الداخلي وذهبت مباشرة لمكتب مدير القسم السيد دل لاخبره بما جرى، فابتسم هو كذلك وقال لي بأني اضخم الاشياء اكثر مما يجب وان الامر لا يستحق كل هذا التشنج. وطلب مني الاتصال هاتفياً بالسفارة العراقية كي يهيؤوا لي جوازا بديلا حتى استلمه عندما اصل الى لندن. دخلت لغرفة السيد دل وجلست بقرب طاولة صغيرة وضع عليها هاتف احمر. حصلت على رقم السفارة من دليل الهاتف وبدأت بضرب الرقم فجرت هذه المحادثة: 

- الو، السفارة العراقية؟

موظف السفارة: نعم تفضل.

- انا طالب عراقي على نفقتي الخاصة اسمي احمد فخري حضرت الى بريطانيا العام الماضي وقد سجلت في مدرسة داخلي بشمال بريطانيا وهي تبعد عن لندن 300 ميل. وحالما دخلت المدرسة سلمت جوازي الى رئيس القسم الداخلي كي يحتفظ لي بالجواز بخزانته الحديدية. الا ان الجواز قد ضاع لانه انكر انني سلمته اياه.

موظف السفارة: وماذا تريد مني؟

- اريد ان اعرف، هل بالامكان تزويدي بجواز سفر جديد من قبل السفارة؟

موظف السفارة: طبعاً، ان ذلك حق من حقوقك، فانت مواطن عراقي، اليس كذلك؟

- طبعاً انا عراقي.

موظف السفارة: اذاً، تعال الآن وسنزودك بالجواز حالاً.

- شكراً لك سيدي، الا اني لست بلندن بالوقت الحالي فانا بقرية سنت بيز التي تبعد 300 ميل اي حوالي 500 كلم عن لندن. ساغادر الى لندن يوم الاحد القادم. علما بان اهلي قد حجزوا لي تذكرة طائرة على الخطوط الجوية العراقية يوم الثلاثاء القادم لزيارة العراق.

موظف السفارة: جميل جداً. تستطيع زيارتنا يوم الاثنين في لندن عند بداية الدوام الرسمي على الساعة الثامنة صباحاً وسنـزودك بجواز سفر بغضون دقائق، وبذلك تستطيع السفر للعراق باليوم التالي.

- لا اعرف كيف اشكرك يا سيدي.

موظف السفارة: لا شكر على واجب. نحن هنا لخدمة المواطنين.

رجعت للسيد دل واخبرته بما دار بيني وبين موظف السفارة العراقية، فقال: الم اقل لك ان الامر بسيط جداً؟

وبعد اسبوعين  اي حين حان موعد السفر. سلمني السيد دل مبلغاً قدره 30 جنيه استرليني وهو المبلغ المتبقي لي من المصروف الاسبوعي الذي امنته عند المدرسة والدتي قبل عام كامل. ركبت القطار في فجر يوم الاحد منطلقاً الى مدينة تدعى نيو كاسل. ومن هناك استبدلت القطار بقطار آخر متجهاً الى لندن العاصمة. وصلت لندن حوالي الساعة السادسة مساءاً فاستقليت حافلة وتوجهت بها الى منطقة سسكس كاردنز احد احياء لندن إذ ان هناك العديد من الفنادق صغيرة التي تكون اسعارها متهاونة. دخلت باحداها وسألت عن غرفة فاخبرتني سيدة هناك ان لديها غرفة بثلاث باوندات بالليلة. دفعت لها 6 باوندات اجرة لليلتين لاني اعلم ان رحلتي الى بغداد ستكون الساعة الواحدة من مساء اليوم التالي اي الثلاثاء. 

في صبيحة اليوم التالي اي الاثنين انطلقت الى السفارة العراقية كي أءخذ الجواز منهم ثم انطلق الى مكتب الخطوط الجوية العراقية لاستلام تذكرة الطائرة. وصلت السفارة العراقية الساعة الثامنة تماماً بوقت ابتداء الدوام الرسمي. الا ان باب السفارة كان لا يزال مغلقاً. انتضرت بالخارج مدة لا تقل عن نصف ساعة حتى جاء احد الموظفين وفتح الباب ودعاني للدخول. كان ذلك هو موظف الاستعلامات. تبعته الى قاعة الاستعلامات فجلس على مكتبه فبدأت حديثي معه وقلت له عن ما جرى لجوازي من ضياع. فنظر الي بغضب وصرخ بي قائلاً،

وكيف تضيع جوازك؟

- لم اضعه انا سيدي بل ان مدير قسمي هو الذي اضاعه.

موظف السفارة: ان الشخص الذي يستطيع البت بالموضوع هو السيد القنصل.

- وهل لي بمقابلة السيد القنصل الآن؟

موظف السفارة: انه لم يحضر للقنصلية بعد. بامكانك انتضاره هنا.

- لكني يجب ان اسافر الى بغداد غداً.

موظف السفارة: اذا اقتنع السيد القنصل بكلامك فانه سيزودك بـ (لاسي باسيه) اي جواز مرور مؤقت، وحالما تصل الى بغداد تستطيع عمل جواز جديد كبدل ضائع..

- وماذا لو لم يقتنع؟

موظف السفارة: لا اعلم. انتضره ولا تتسبق الامور.

- حسناً.

انتضرت القنصل حتى الساعة الثانية عشر ضهراً ولم يحضر فسألت الموظف. واين السيد القنصل؟ فاجاب، لا اعلم. وعندما بلغت الساعة الثانية بعد الظهر اخبرني الموظف ان الدوام الرسمي قد انتهى. فقلت له لكن السيد القنصل لم يأتي وان غداً هو يوم سفري وانا لازلت بلا جواز سفر. فقال لا تقلق انها ليست مشكلة، تعال غداً وسوف يعمل لك الجواز على جناح السرعة. شكرته وخرجت وانا قلق جداً مما حصل.

باليوم التالي كنت بباب السفارة تمام الساعة الثامنة الا ان السفارة لم تفتح ابوابها حتى الساعة التاسعة الا ربع. دخلت مسرعاً الى موظف الاستعلامات وسألته. هل سيحضر السيد القنصل اليوم؟ فقال : ان شاء الله.

انتضرت بالاستعلامات بعضاً من الوقت وكل ثانية تمر بي ازداد قلقاً. واخيراً وفي تمام الساعة العاشرة دخل القنصل الى السفارة فقال لي موظف الاستعلامات: ابشر لقد حضر السيد القنصل. 

- هل بامكاني الدخول عليه الآن؟

موظف الاستعلامات: لا طبعاً. سادخل انا عليه واخبره بقضيتك ثم يقوم هو باستدعائك.

دخل موظف الاستعلامات الى مكتب القنصل وبعد ربع ساعة تقريباً عاد من هناك فهرعت اليه وسألته هل طلبني؟ 

موظف الاستعلامات: كلا. ان لديه ضيف لذلك لم يطلبك.

- وهل اخبرته بحالتي وكم انا على عجل؟

موظف الاستعلامات: كلا لن يتسنى لي ذلك لانه مشغول مع ضيفه.

- لكني مضطر لان اراه مهما كلف الامر.

موظف الاستعلامات: قلت لك انه مشغول ولا تستطيع ازعاجه. اذا اردت ان تقابله فان عليك ان تجلس هنا في الاستعلامات حتى اءذن لك بالدخول.

- حسناً.

ذهبت نحو مكان الجلوس وتظاهرت بالجلوس، وعندما لاحظت ان موظف الاستعلامات مشغولاً  مع بعض المراجعين تسللت الى خارج قاعة الاستعلامات ووقفت بالممر المؤدي الى غرفة القنصل. بقيت واقفاً هناك وانا متردد، ياهل ترى هل اذهب ناحية الباب ام ابقى بمكاني كما طلب مني موظف الاستعلامات؟ لكني شيئاً فشيئاً صرت الملم شجاعتي واتسلل نحو باب غرفة القنصل فوجدت الباب مفتوحاً بعض الشيء ونظرت من خلال فتحة الباب فرأيت القنصل يجلس خلف طاولته الفخمة وعلى يمينه يجلس ضيفه الموقر وهم يترشفون الشاي. نظرت الى ساعتي فرأيتها تشير الى الحادية عشرة ولم يبقى على رحلتي سوى ساعتان. جمعت شجاعتي اكثر واقتحمت الغرفة بعد ان طرقت الباب، نظرت اليه والى ضيفه وبدأت الحديث.

- السلام عليك سيدي وعلى ضيفك المحترم.

القنصل: ماذا تريد؟ ومن سمح لك بالدخول؟

- يؤسفني جداً ان ادخل على فخامتكم هكذا دون سابق انذار لو لم يكن الموضوع الذي جئت من اجله خطيراً ومستعجلاً جداً.

القنصل: قلت لك ماذا تريد (خلصني)؟

- سيدي انا طالب على نفقتي الخاصة. قدمت الى بريطانيا العام الماضي. وبدأت دراستي في مدرسة داخلي بشمال بريطانيا والتي تبعد 300 ميل عن لندن في شهر ايلول من العام الماضي. وحالما بدأ الدوام بالمدرسة توجهت نحو الشرطي الموجود بالقرية كي اقوم باجرائات الاقامة. وبعد ان تمت الاجرائات وحصلت على الاقامة بعد بضعة اسابيع. قمت بتسليم جواز سفري لمدير قسمي الداخلي لكي يحتفظ لي به في خزنته الحديدية. ولكن وفي نهاية العام الدراسي طلبت منه الجواز فقال بأني لم اسلمه الجواز وان الخطأ مني. انا متأكد ان الخطأ ليس مني ولكن، بكل الاحوال اتصلت هاتفياً بالسفارة من هناك قبل اسبوع تقريباً واخبرتهم بمشكلتي فقال لي احد الموظفين بان المشكلة ليست كبيرة وان السفارة تستطيع تزويدي بجواز مرور اسافر به للعراق. لذا طلبت من والدتي ان تبعث لي ببطاقة طائرة كي اعود بها لزيارة الوطن اثناء حلول العطلة الصيفية.

نظر الي القنصل وبدأ بالضحك بنبرة استفزازية وقال،

القنصل: وماذا يضمن لي انك لم تقم ببيعه؟ ان سعر الجواز اليوم يبلغ 200 جنيه استرليني. 

- ولكن سيدي، كيف ابيع جوازي وانا اريد ان اسافر به الى بغداد؟ ان ذلك غير معقول.

القنصل: ولم لا؟ 

نظر القنصل الى ضيفه ووجه الكلام له.

القنصل: الا تذكر التمثيلية التي شاهدناها ليلة البارحة على شاشة التلفاز والتي مفادها ان شخصاً كان قد باع جواز سفره بالشارع لشخص لا يعرفه اطلاقاً مقابل بعض المال كي يشتري به المخدرات؟

الضيف: اجل شاهدتها وكانت قصة فضيعة.

هنا بدأ الدمع ينهال من عيني كالانهار. كيف لي ان اقنع انسان بهذه العنجهية وهذا الغرور اني لست بحاجة للمال الحرام وانني بامس الحاجة لجواز سفر كي اعود به الى وطني؟ ماذا استطيع ان اقوله لهذا الانسان كي يقف بجانبي في محنتي هذه وانا وحيد ببلاد الغربة؟ تمالكت نفسي قليلاً وقلت،

- سيدي ان ذلك مصيري وانا بالغربة. ثم انني لا اتعاطى المخدرات ولم يسبق لي اني شاهدت شخصاً مدمناً على المخدرات بحياتي.

القنصل: اسمعني جيداً. ان عملية تزويدك بجواز مرور مستحيلة وهي ليست من صلاحياتي كقنصل. وان القرار بمثل هذه الامور يبت بها من مديرية الجوازات ببغداد. لذا اقول لك بان كل ما استطيع فعله هو ان اكتب لبغداد مذكرة بالموضوع. وعندما يأتينا الرد بالايجاب نستطيع تزويدك بجواز مرور مؤقت نافذ لسفرة واحدة فقط كي ترجع به الى بغداد وتتلقى مصيرك هناك.

- لكن موظف السفارة الذي تكلمت معه بالهاتف من المدرسة، اكد لي ان بامكانكم تزويدي بجواز المرور هذا دون ادنى تعقيدات.

القنصل: ما اسم ذلك الموظف؟ وهل تنعتني بالكذب؟

- اسف سيدي لم اقصد ذلك ولا اتذكر اسم ذلك الموظف. 

القنصل: اذاً لا تطيل الموضوع. ليس لدي اكثر من الذي قلته.

- وكم يستغرق من الوقت لكي تكتب لبغداد وترد بغداد عليك؟

القنصل: اسبوع شهر 6 اشهر، لا احد يعلم.

هنا بدأت الدموع تنهال من عيني دون ان اتمكن من السيطرة عليها

- سيدي، انا عراقي وعمري 17 عاماً وانا بمحنة. ولا املك من المال سوى 30 باونداً وايجاري بالفندق هو 3 باوندات لكل ليلة فكيف يمكنني البقاء ستة اشهر انتضاراً للقرار؟ ان موعد رحلتي هو الساعة الواحدة بعد الظهر من هذا اليوم. الا ساعدتني؟ قلت له ذلك والدموع صارت تنهال مني كالانهار.

القنصل: قلت لك ان الامر ليس بيدي، لقد سببت لي الصداع، هيا اخرج من مكتبي فوراً.

هنا فكرت ملياً وعلمت ان الحل الوحيد المتاح لي هو الذي ما اقترحه علي القنصل وذلك بأن يبعث لبغداد لكي لا نضيع الوقت.

- حسناً سيدي اكتب لبغداد وسنرى ماذا سيكون ردهم.

القنصل: ساكتب لهم فيما بعد، اخرج انت الآن واتركني مع ضيفي.

- لكنك يا سيدي لا تعرف اسمي. فكيف ستكتب لبغداد؟ الا يريدون معرفة اسمي وعنواني ببغداد.

هنا اراد القنصل ان يتخلص مني باي ثمن، نظر الي وقال،

القنصل: حسناً اكتب اسمك على ورقة واتركها لي هنا.

- هل لي بورقة وقلم سيدي؟

فتش عن ورقة بمكتبه فلم يجدها. فقطع قصاصة من جريدة كانت ملقات على مكتبه الفارغ وسأل ضيفه ان كان لديه قلم. فقدم الضيف قلماً فاخراً. مسكت بالقلم وكتبت على تلك القصاصة اسمي الكامل احمد جهاد احمد فخري.

- لقد كتبتها سيدي.

القنصل: اتركها على المكتب هنا وغادر لقد نفذ صبري.

تركتها على مكتبه وسلمت القلم للضيف ثم حييتهما واستدرت لاتوجه الى باب الغرفة وفجأة سمعته يناديني باسمي. استدرت ونظرت اليه قائلاً.

- نعم سيدي.

القنصل: هل انت ابن المرحوم جهاد احمد فخري مدير الكهرباء الوطنية؟

- نعم سيدي.

القنصل: هل تعرف رعد طبرة؟

- نعم سيدي انه نسيبي، انه زوج اختي الكبرى.

القنصل: لا اله الا الله. ان رعد طبرة هو من اعز اصدقائي وان المرحوم والدك كان له الفضل الكبير علي اذ انه ساعد في تعييني قبل 7 سنوات. اجلس يا بني اجلس. ساعمل لك الجواز فوراً.

هنا راودني شعور غريب مزدوج. فمن ناحية كنت سعيداً لان مشكلتي وجدت طريقها للحل قريباً ومن ناحية اخرى كنت احترق غضباً واقول لنفسي لو كان بامكانه عملها فلماذا كذب علي في البداية؟ ولو لم يكن يعرف والدي فماذا سيحل بي او بشخص آخر بمثل حالتي؟ المهم لم اقم بنبس كلمة واحدة بل وقفت ورأسي مطأطأ بالارض انتظر الاجراء الذي سيقوم به القنصل. كبس القنصل جرساً فجاء حاجبه فطلب منه استدعاء الاستاذ فخري. وبعد دقيقة دخل الاستاذ فخري فقال له القنصل. اعمل (لابن اخي) احمد جواز مرور على جناح السرعة. وطلب مني ان اتبع الاستاذ فخري. تبعت الاستاذ فخري كما لو كنت ظله. اخذني لمكتبه في الطابق العلوي وصار يجهز الاوراق ثم سألني اذا كانت لدي صور فاجبت بالسلب فقال اذهب لمكتبة كنزنغتون، فهناك جهاز تصوير فوري. ركضت الى المكتبة بامل ان الحق رحلة الطائرة لكنني كنت متيقناً انني سوف لن اتمكن من اللحاق بموعد الطائرة بكل الاحوال. المكتبة كانت تبعد حوالي 600 متر عن السفارة. قمت بالركض حتى بلغتها. دخلتها وخرجت منها كلمح البصر وعدت وبيدي اربعة صور. وصلت السفارة واعطيت الصور للسيد فخري وبعد مرور ساعة او اكثر قال لي،

السيد فخري: لم يبقى سوى توقيع السيد القنصل، اتبعني.

ذهبنا الى غرفة القنصل واعطاه الجواز للتوقيع فوقعه على الفور وسلمني اياه وقال،

القنصل: بامكانك الذهاب للمطار الآن. هل ستلحق موعد الطائرة يا ابني؟

نظرت الى ساعتي فوجدتها تشير الى اواحدة الا ربعاً فقلت له ان الطائرة ستقلع تمام الساعة الواحدة اي بعد ربع ساعة من الآن ومن المستحيل اللحاق بها علماً ان الطريق الى المطار يستغرق 45 دقيقة.

القنصل: وماذا ستفعل اذاً؟

- ساذهب لمكتب الخطوط الآن واغير الحجز الى الرحلة الموالية والتي ستكون يوم الخميس اي بعد يومين.

القنصل: ولكنك لا تملك المال الكافي. ساعطيك بعض المال كي تتدبر امورك. سحب محفظته من جيبه الخلفي وصار يخرج اوراقاً نقدية. لكني رفضت بحزم وقلت له،

- شكراً سيدي. ان لدي ما يكفي. ساتدبر امري لا تقلق علي.

خرجت من مكتبه وانا احدث نفسي قائلاً: لو لم يؤخرني بتفاهاته لكنت قد لحقت موعد الطائرة اليوم. توجهت لمكتب الخطوط الجوية العراقية وغيرت موعد السفر ليوم الخميس الموالي ثم توجهت الى البريد وبعثت ببرقية لوالدتي اعلمها بتغييرموعد وصولي الى بغداد. وبعد يومين اي الخميس حملتني طائرة الخطوط الجوية العراقية متجهة الى بغداد حيث كان جميع اهلي بانتظاري هناك. تمت