"إنطيه حبل"!!

 

هذه فكرة أو حيلة يعرفها صيادوا الأسماك وخصوصا الأسماك الكبيرة أو ما نسميه "البز" , فلكي تصطاد السمكة الكبيرة عليك أن تعطيها الحبل أو الخيط , حتى تتوهم بأنها ليست مزنوقة بالشص فتستنفذ قواها وتتعب , وتكون سهلة الإصطياد , أما إذا أمسكت بالخيط وأخذتَ تتصارع معها فأنها ستفلت أو تنتصر عليك أو ربما تقطع الخيط.

 

وهذا الأسلوب يجري تطبيقه في عالم الساسة والسياسة , وبواسطته يتم إصطياد القادة والشعوب والأمم , وذلك وفقا لشعار " إنطيه حبل".

وفي مجتمعاتنا تكرر هذا السلوك وتساقط عدد من القادة بعد أن أعطوهم الحبل حتى إلتف على أعناقهم وأعناق شعوبهم بآليات إفتراسية فظيعة , والأمثلة معروفة وقريبة وبعيدة , وما يجري في العديد من الدول العربية المنكوبة بالكراسي يقع ضمن هذا السياق التدميري , الذي يتخذه قادتها الذين ينطبق عليهم منهج       " إنطيه حبل"!! 

وفي مجتمعات أخرى قد يتصدر القيادة فيها مَن لا ناقة لهم ولا جمل في السياسة , لكنهم محاطون بساسة محنكين , فيبدأ تطبيق مناهج " إنطيه حبل" عليهم , حتى لتجدهم بعد برهة قد إلتف الحبل حولهم وقيّدهم وجعلهم صيدا سهلا للآخرين , الذين سيرمونهم في شِباك صيدهم ويستعيضون عنهم بمن أدرى وأعرف , وأقدر على المناورات السياسية والحفاظ على التوازنات الإقتدارية.

 

ويبدو أن العالم يعيش في فترة عصيبة عنوانها " إنطيه حبل" , مما قد تتسبب بتداعيات إنفلاتية خطيرة ستزعزع أمن العالم , وستدفعه إلى تصارعات غير مسبوقة بأساليب غير مطروقة , مما ينذر بالوعيد الشديد والحروب الشعواء.

وهذه الفكرة الخطيرة يتم الإستثمار فيها مع السذجة وقليلي التجربة من الذين يتوهمون الدراية والمعرفة وهم لا يعرفون بأنهم لا يعرفون , فينزلقون بمطبّات جسيمة النتائج والتطورات , فمن أخطر ما تبتلى به الشعوب والأمم أن تولي سذجتها عليها وتوهمهم بأنهم يعرفون , وتزرع فيهم الشعور بالدراية وهم الجاهلون , لأنهم في هذه الحالة المتسمة بفراغ العقل وتأجج العاطفة وتوقد الإنفعال يصبحون من ألد أعداء أنفسهم وشعوبهم , ويساهمون في إستجلاب الأعداء وتمكينهم من أنفسهم ومجتمعاتهم , لقلة حيلتهم وغياب خبرتهم , وعدم قدرتهم على التحلي بالمشورة والإنصياع لذوي التجارب والخبرات الميدانية والإنسانية.

وأغلب القادة الذين أجرموا بحق أنفسهم وبلدانهم في مجتمعاتنا يقعون ضمن هذا التوصيف الذي يستثمر فيه أعداؤهم , ويحققون بهم مصالحهم ويستبيحون أوطانهم ويأخذون ثرواتهم ويذيقونهم سوء الدماروالخراب , فتراهم قد سقطوا بغتة وتهاوت معهم دولهم وأحزابهم , وباتت ديارهم ملكا مشاعا للطامعين بكل ما يتصل بهم ويرتبط بلادهم.

وواقعنا العربي المرير يعطينا الأمثلة المبينة , سواء في العراق , ليبيا , سوريا , اليمن ودول أخرى أخذت تمضي على سكة " إنطيه حبل".

فإلى متى لا نتعض من تجاربنا المريرة , وننكر أننا مشموطين بحبل ما , علينا أن نتعاون لقطعه ومنعه من إصطيادنا بشص لعين؟!!

إنطيه: إعطيه