خلال (٢٤) ساعة فقط قُصِفنا بثلاثةِ أَخبارٍ كاذبةٍ وملفَّقةٍ ولا أَساس لها من الصِّحَّة!. هذهِ التي انتبهنا لها والحمدُ لله أَمّا التي تمرُّ علينا ولم ننتبهَ لها فحدِّث عنها ولا حرج!. الأَوّل؛ يتعلَّق بقرارٍ كويتيٍّ قيلَ أَنَّهُ حذا حُذو قرار الرَّئيس ترامب بمنعِ رعايا عدَّة دُول بينها الْعِراقِ من السَّفرِ اليها!. الثّاني؛ يقول بأَنَّ السّفير الأميركي في بغداد إِجتمع برئيس مجلس الوزراء الدُّكتور العبادي وأَبلغهُ بعدم رغبةِ الادارة في واشنطن الآن لاستقبالهِ في البيت الابيض والاجتماعِ بهِ!. الثّالث؛ وهو الأَخطر اذ كان مصدرهُ قناة (العراقيّة) شبه الرّسمية والذي يقول بأَنَّ أوروبا رفعت الحظر الذي فرضتهُ على الطّائرات العراقيّة ليُسمح لها مرَّةً أُخرى بدخول المجال الجوّي للبلدان الأوروبيّة، وهو الخبر الذي نفتهُ الوكالة الأوروبيّة لسلامة الطَّيران. والأخبار الثَّلاثة أَعلاهُ إِنتشرت في وسائل التّواصل الاجتماعي إِنتشار النّار في الهشيمِ في يومٍ سرعةُ الرّيحِ فيه [(١٠٠٠) كم/ ساعة]! حتّى أَصبحت بعد ساعتَين من إِنتشارِها من المسلَّمات التي لا يُمكن التّشكيك فيها والطّعن بها!. ولا أُخفيكم فلقد حاولتُ أَن أُبيِّن لبعض المجموعات التي أَشتركُ فيها على الواتس آب بأَنَّ الخبر الأَوّل تحديداً غيرُ صحيحٍ، بعد أَن اتَّصلتُ فور إِستلامي للخبر بأَحد الأصدقاء النّواب في مجلس الأُمّة الكويتي والذي نفى لي الخبر جملةً وتفصيلاً، الّا أَنّني فشلتُ في إقناعَِ المجموعة! فظلَّ الخبرُ ينتشر ُمن مجموعةٍ الى أُخرى، ليقفز منها الى عدَّة فضائيّات [مُعتَبَرة] لولا أَن بادرت سَفارَة دولة الكوَيت في بغداد ونفت الخبر بشَكلٍ رسميٍّ!. وهكذا بالنّسبةِ للخبرَين الثّاني والثّالث!. طبعاً هذه ليست المرَّة الاولى التي تنتشر فيها هذه الأَخبار الملفَّقة والكاذبة ولن تكون المرَّة الأَخيرة، فللأسف الشّديد فانّ التَّلفيق والاكاذيب أضحت هي الأَصل الآن في الاخبار، أَمّا ما يخرج منها بدليلٍ فنادرٌ جدّاً!. ولحسنِ الحظّ فانّنا اكتشفنا بسُرعةٍ قياسيّةٍ هذه المرَّة كذب الأَخبار الثّلاثة! ولكن؛ كم خبرٍ كاذبٍ يمرُّ علينا لم نكتشفهُ؟!. السُّؤال الملحّ الآن هُوَ؛ كيف نتجنَّب المشاركة في نشرِ الأَكاذيب والأخبار الملفَّقة؟!. وقبل هذا السُّؤال يتساءل البعض؛ كيف يمكنُنا أَن نعرف صدق الخبر من سقمهِ؟! ونميّز بين الغثّ والسّمين؟!. قبل الإجابة، اودُّ أَن أُبيّن ملاحظة مهمّة، وهي؛ ليسَ الاشكالُ في أَصل الاكاذيب والتَّلفيق فذلك أَمرٌ طبيعيٌّ في ظلّ الحرب الإعلاميّة والنفسيّة الدّائرة اليوم في العالَم كونها جزءٌ من الحرب الشّاملة، إِنّما الاشكالُ في مشاركتِنا بحمَلات الحرب النّفسيّة العدائيّة الموجَّهة ضدَّنا! فتلك هيَ المصيبةُ!. نعودُ للجوابِ؛ أَوّلاً؛ على كلِّ واحِدٍ منّا أَن يستخدم عقلهُ ليزِنَ بهِ أَيَّ خبرٍ يصلهُ من الآن فصاعداً، فالحكمةُ تَقُولُ [حدِّث المرءُ بما لا يُعقلَ، فان صدَّقك فلا عقلَ لَهُ]. زِن الخبر بعقلِك فاذا لم يستوعبهُ أَو يستسيغهُ فاضرب بهِ عَرض الحائط وليكن ما يكون!. ثانِياً؛ إِذا ظلّ في ذهنِك شكٌ من نوعٍ ما {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} أَو إِسأَل عنهُ من صاحبِ العلاقة، والا فارمِ به في سلَّة المُهملات!. ثالثاً؛ يجب أَن نتعلَّم جميعنا كيف نتعامل مع الخبرِ بمسؤوليّةٍ، لنتركَ واحدةً من أَسوأ عاداتِنا القبيحة والمتمثِّلة بالمبادرةِ الفوريّة والعجلة في نشرِ كلِّ ما يصلَنا!. أَنا على يقينٌ بأَن [٩٠٪] من الأَخبار التي نستعجل في نشرِها فوراً بمجرّد أَن تصلنا لم نقرأها! ولطالما عتِبتُ على البعض لنشرهِ خبراً ملفَّقاً ما يُجيبني بالقولِ؛ إِذا أَردتَ الحقيقة فإنّني نشرتهُ قبلَ أَن أَقرأهُ! فأَنا لا أَعرفُ ما الذي فيهِ من معلوماتٍ! ثمَّ يعمسُ في أُذُني [ليش هوَّ شنو مكتوب بالخبر؟!]. فهل يجوزُ ذلك؟! خاصَّةً في هذا الظّرف الحسّاس الذي بدأت الأَخبار الملفَّقة تُشكِّل وعينا وخلفيَّتنا ومواقفنا وتحليلنا للأُمور؟!. يجب أَن نتعاملَ مع الخبرِ وعمليَّة النَّشر بمسؤوليَّةٍ! وليست ترفاً أَو كاستعراضِ عضلاتٍ بعنوان سبق صحفي!. والظَّريفُ في الأَمرِ انّ البعض راح يكتُب في مُقدِّمة الخبر عبارة (كما وصلني) ثمَّ ينشرهُ ليضعَ المسؤوليَّة عن كاهلهِ! ويُحمّلها غيرهُ! فهل يكفي ذلك؟! أَبداً فهي عمليّة خداع للذّات مفضوحة!. رابعاً؛ إِنّ العراق مُستهدفٌ كلَّ ما فيهِ وكلّ ما يتعلَّق بهِ، وهناك عصابات مافيا الخبر إِن صحَّت التّسمية شُغلها الشّاغل تلفيق الأَخبار والتّقارير والمقالات والصّوَر والأَفلام ونشرها بكلِّ وسيلةٍ ممكنةٍ، يصطادوا بها عقولَنا وبالتّالي يؤثِّرونَ على طريقةِ إِستنتاجِنا وتفكيرِنا وتحليلِنا وبالتّالي مواقفِنا!. وبسببِ الأَرضيّة الرَّخوة التي نقف عليها، فقد لقِيت هذه العصابات مجالاً رحباً وواسعاً لتلقّي صناعتهُم بكلِِّّ سهولةٍ ويُسرٍ! كما أَنّها نجحَت نجاحاً باهراً عندما وجدت فينا ظالّتها في الظَّهر المركوب والضّرع المحلوب!. للأَسف لا أَحد يُزاحم نَفْسَهُ ليتأكَّد من الخبر قبل نشرهِ! ولا أَحد يتمهَّل لحظات قبل أَن ينشُر ما يصلهُ!. علينا جميعاً أَن نعي خطر الكِذبة اذا ساهمنا في نشرِها، والذي لا يقلُّ عن خطرِ سيّارةٍ مفخّخةٍ يفجِّرُها إِرهابيٌّ، فاذا كانت الثّانية تحصدُ أَجسادَ ضحاياها فانّ الخبرَ الكاذبَ يحصدُ عقول ضحاياه! وهذا أَخطر!. فالحذر الحذر!. *أَخيراً، أَهمسُ في أُذنِ [العراقيّة] قائلاً [لا تلومي العراقييّنَ اذا انفضّوا عنكِ].
|