تلوث مدينة الصدر باليورانيوم

 

 

منطقة صغيرة شرقي القناة تجمع بين السكن والمحال الصناعية والورش على حين غفلة تصدرت الانباء والاحاديث والاشاعات امتزجت مع بعضها البعض، فتعذر التمييز بين الرواية العلمية الغائبة من مصدرها وما يقوله المواطنون في هذه المنطقة عن فرق فحص الاشعاعات التي تزورهم بين الحين والآخر.

الحكايا ان محالاً لبيع سكراب الحديد في منطقة "كسرة وعطش" ثبت منذ زمن انها ملوثة باليورانيوم والاجهزة الحكومية تعرف ذلك منذ فترة طويلة الا انها لم تتخذ الاجراءات الجادة لتنظيف المنطقة من التلوث الاشعاعي او على الاقل تحذر السكان من بقائهم في بيوتهم واماكن عملهم، وهي المسؤولة اياً كانت المبررات ان تجد لهم بديلاً لو هي حقاً تمثلهم وترعى شؤونهم.

الانباء الاولى تشير الى ان مستوى الاشعاع بلغ 62 مرة اكثر مما هو مسموح به، وعوائل باكملها مصابة بالامراض السرطانية بانواعها ومخاطرها.

يخبرني احد المواطنين عندما عرف أنني صحفي بأن هذه العوائل لا تتلقى العلاج، لان وزارة الصحة لا توفره، وهو باهظ الثمن، وقاطنو هذا الحي من مستويات ثقافية محدودة على حد قولهم ليس لهم معرفة بالمخاطر الناجمة عن السكن والعمل في هذه الاماكن الملوثة، وحتى ان عرفوا الى أين ينزحون ويولون وجوههم، ودولة عاجزة لا تعين المحرومين.

لو كانت هذه الاصابات في بعض المدن لتحركت الدولة، ولكن هذه من الاحياء الهامشية، وربما في قرارة النفوس البعض يقول دع قانون "مالتوس" يعمل كي نتخلص من هؤلاء.

يا أيها الناس، هذه المنطقة لا تبعد عن مركز بغداد ومركزها البحثي المتخصص بالمعالجة النووية وجامعاتها ووزارة التكنولوجيا سوى نصف ساعة زمن بالسيارة ولكنهم اغمضوا عيونهم عما يجري وصمتوا.

لو حدثت هذه الكارثة بحق حوالى الف عائلة غير الذين يزورون المنطقة في مكان آخر لانقلبت الدنيا ولم تقعد واطاحت برؤوس حاكمة وعارفة بالمسألة الا انها حاولت التستر.

الحرب على العراق انهت اوزارها منذ ما يقرب الخمسة عشر عاماً، وما تزال عشرات المواقع ملوثة باليورانيوم المستنفذ الذي استخدم ضد ابناء شعبنا، والأمر من ذلك لم تحرك الحكومات إمكاناتها وطاقاتها للخلاص مما ورطت البلاد فيه، ولم تحمل جزءاً من المسؤولية للذين شنوا هذه الحرب واستخدموا ما هو محرم لتحقيق نصر سريع ليس الا.

الان، تستوجب حالة اهالي "كسرة وعطش" في مدينة الصدر "الثورة" ببغداد مناشدة المجتمع الدولي لابداء المساعدة لتجاوز ما هم فيه، الى جانب حشد الامكانات المحلية وتوظيفها لازالة التلوث وتقديم العلاج للعوائل المنكوبة، وذلك من خلال اختيار افضل الكفاءات الوطنية والحريصة والنزيهة لتتولى هذه القضية وابعاد الفاسدين الذين نهبوا الادوية الخاصة بمرضى السرطان مثلما حدث في الانبار وغيرها.

ان استنفار المؤسسات الصحية ووضعها في حالة الانذار واغلاق المنطقة مسألة في غاية الجدية .. وتتطلب ان تكون نقطة بحث في اجتماع مجلس الوزراء المقبل كي تتخذ قرارات حاسمة لانقاذ ما يمكن انقاذه من المواطنين وتخفيف الاعباء عنهم.

الان حالة من الهلع تسود بين الاهالي ليس في المنطقة وحدها، وانما في بغداد كلها، لان التلوث لا يقتصر على السكراب والتربة، بل يشمل الاجواء ايضاً.