بسبب الإحساس المتزايد بالشيخوخة المبكّرة قرّر حجي سعيد البغدادي أن ينتهج جميع السبل التي كان يرفضها سابقاً، مدفوعا برغبة الحصول على وظيفة حكومية ، إذ لا يختلف عراقيان قديما وحديثا على حقيقة أن الوظيفة الحكومية أشرف وأكرم ألف مرة من العمل تحت رحمة أناسٍ حديثي العهد بالجاه والثراء... أنجز سعيد 99% من إجراءات التعيين بوقت قياسيّ ، ولم يتبق أمامه إلا جلب التزكية الحزبية من مكتب محسن الشلاه . لم يكن أمر العثور على الشلاه صعب المنال فقد تبيّن لسعيد أن الشلاه هذا هو أحد أصدقائه أيام ملتقى الشعراء الشباب... لم يتمالك سعيد مشاعره عندما أبصر عن بعد وجه سيد محسن، حينها أحس بدموع الفرح تتناثر على خدّيه بتلقائية، ووجد نفسه يهتف بلاشعورٍ قائلا: يالطيف الألطاف، يا لطيف الألطاف، فما كان من محسن إلا أن ردّ عليه بالقول: يالطيف الألطاف، يا لطيف الألطاف، معقوله هاي انت .. وينك يمعود .. وينك يابه ..وينك سعّودي... ولكن بعد ساعة من الحديث وسرد ذكريات الماضي اكتشف سعيد أن صاحبه قد تبدّل تماماً، ولم يتبق منه سوى عبارة يا لطيف الألطاف التي كان، وما يزال يردّدها في كلّ ثانيةٍ تقريباً . مع ذلك فإن هذا الاكتشاف المخيب للآمال لم يُثن سعيد من التصريح لصاحبه القديم بأمله الأخير في هذه الحياة الفانية، وهو أن يقضي أيامه الأخيرة موظفاً حكومياً... لم ينبس محسن بكلمة واحدة لكنّه دسّ بيد صاحبه كارتاً تعريفياً ملوناً مكتوباً على وجهه الأول : محسن الشلاه ، وعلى وجهه الآخر ثلاثة أرقام هواتف شخصية... منذ ذلك التاريخ وسعيد يحاول الاتصال بمحسن دون جدوى. لم يجب محسن على مكالمات سعيد التي بلغت المئات مكتفياً بالاستمتاع برنّات الهاتف التي ترقص على أعصاب سعيد "المكرود"... لكن السيد محسن الشلاه قرّر فجأة أن يحظر رقم هاتف سعيد إلى الأبد، ليس لأنّه شبع من التلذذ بعذابات صاحبه القديم وهو يسترحمه ويتوسل إليه، ولكن ليتخلص من سيل رسائله النصّية التي تكرّر كلّ ثانية تقريباً عبارة: يالطيف الألطاف، طيّح حظ كلمن ما شايف وشاف... ملاحظة: حجي سعيد البغدادي شخصية خيالية يحاول الكاتب توظيفها فنياً لخدمة الغرض النقدي العام قدر الإمكان.
|