عذرا سيدي المدير!

يفكر المدراء في كثير من المؤسسات الحكومية بعقلية الاقصاء والمطاردة اتجاه الموظفين الصغار الذين لم يتعلموا مسح الاكتاف ولا الركض وراء المعالي والفخامة والسيادة، هؤلاء الذين تربوا في اعماق الآباء والشموخ وتعودوا على قول : كلا ولم يعرفوا هز الرؤس بالإيجاب دائما. 
المدير الناجح ليس ذلك الذي يحيط نفسه بمجموعة من مرشحي الاكتاف الذين يصورون له الواقع على عكس ماهو بل الذي يفتح باب الحوار مع معارضيه او الذين يشككون بقدرته على الادارة، هناك في العادة ثلاثة أصناف من الموظفين(موظف مقيود يتقن مسح الاكتاف -موظف خامل  -موظف قائد)، الموظف القائد يلتزم بالتعليمات القانونية لكنه لايقترب من قصر القرار ولايلمع صورة المدير ويقول رأيه بشجاعة وهذا النوع من الموظفين على الرغم في دوائر الدولة من قلتهم لكنهم هم نواة الاصلاح الحقيقي في مؤسسات الدولة. المدير الناجح هو الذي يحول العمل في مؤسسته الى عمل جماعي ويصنع قادة جدد بدلا من صناعة اتباع وموالي ومهوسجية . 
يتعرض هذا النوع من الموظفين الى أقصى انواع المضايقات من المدراء مرة يهددون بالفصل ومرة بالنقل ومرة ينشرون عليهم وثائق مقتطعة ومرة يوصي المدير أقدامه ان يشهروا بهم في الفيسبوك وباقي مواقع التواصل الاجتماعي بأسماء وهمية، على العموم ان المدير الناجح هو الذي يفتح باب المفاوضات مع الموظفين القادة لاسيما الذين يؤكدون ان اعتراضاتهم ليس هدفها غاية شخصية ولا مطمع خاص بل لتقويم الأداء والعمل. 
،في العراق فقط، نفضل الولاء على الكفاءة ومرات كثيرة يتم اختيار أشخاص في الدولة العراقية لمناصب مهم وقيمك الاختيار ( من جماعتنا- خوش ولد- من ولايتنا -نفس خطنا ) وهذا سياق أعرج يبني مؤسسات عرجاء فالدولة لاتمشي بعقل إقصائي والتمشيط بكثرة الحاشية ولا بكثرة الولاية وماسحي الاكتاف بل بان يتحول المدير الى قائد، الذي يقول نحن لا انا والذي يُؤْمِن بالرؤية في الادارة ويعمل عليها ويتحمل مسؤلية الفشل ويحصل على قوته من تعليمه للآخرين ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، الذي يتحدث بقوة حريرية كما يصفها الدكتور قُصي محبوبة في كتابة عن صناعة القادة . 

نحن في زمن كثر المدراء وقل القادة وكثر الزواحف وقل المستشارون، نحن في زمن تحولت مؤسسات الدولة الى مقرات لقتل الإبداع  وخنق التطور وباتت مقرا لحياكة المؤامرات على الموظفين القادة الذين يرفضون السلوك السيء والإدارة السيئة، الذين لم يعتادوا على خفض صوتهم في زمن شُح فيه صوت الحق وكثر فيه صوت المطبلين والمهوسجية وجماعة : لولاك لهلكنا، انه زمن عجيب كثر المدراء وقل القادة، ولذلك نقول عذرا سيدي المدير لم نتعود مسح الاكتاف! . 

ملاحظة بنيوية: هذه المقالة لحالة عامة في الدولة العراقية وليس مقصودة على احد مخصص.