الإكتئاب والعصر الحديث

 

   يرجع وصف الاكتئاب والأمراض العقلية إلي ما سجله الفراعنة 2600 سنة قبل الميلاد حين تحدثوا عن الرغبة في الموت والكسل والنوم الزائد.وذكرت أعراض الإكتئاب في إلياذة هوميروس في القرن الثامن قبل الميلادووصفها أبقراط بمصطلح الميلانوخوليا عام 450 قبل الميلاد ، ويعتبر هو أول من درس هذه الأعراض ونظمها وحاول  الربط بين المزاج المميز للشخص وبين نظرية الأخلاط الأربعة ( الدم ، التراب ، البلغم ، الصفراء) ، و بين الشخصية حيث رأي أن كل شخص لديه الاستعداد لحدوث أحد الأمراض الأربعة ( الهوٍس، الميلانخوليا، البارانويا ، الجنونphrenitis  ) حسب المزاج المميز له حسب الأخلاط. كما قسم بن سينا الميلانخوليا إلي أربعة أقسام وذلك عام 850 م ، واستمرإستخدام لفظ الميلانخوليا لوصف الاكتئابحتى جاء كريبللين في نهاية القرن التاسع عشر( 1886)  وأدخل مصطلح الهوس الاكتئابي حتي يفرق بينها وبين الخرف المبكر(demenia precox) .

يُعتبر الاكتئاب المرض الأول في الولاياتالمتحدة الأمريكية  ففي عام 2006صُرف ما يُقارب 60مليون وصفة من الأدوية المضادةللإكتئاب بينها 11مليون وصفة كانت للأطفال, وتُقّدر منظمة الصحة العالمية بأنه يوجد ما يُقارب من نصف مليار شخص في العالم يُعانون من مرض الاكتئاب فمرض الاكتئاب حسب تقارير الأمم المتحدة يُكلف سنوياً أكثر من 92مليون يوم غياب عن العمل ومليارات الدولارات تخسرها أماكن العمل بسبب تغّيب مرضى الاكتئاب عن أعمالهم  كما أنه يمثل السبب الرابع للاعاقات في الوقت الحاضر وتقول تقارير وتوقعات منظمة الصحة العالمية بأن الاكتئاب سوف يُصبح المرض الثاني للإعاقات في عام 2020بعد أمراض القلب.

يعد الإكتئاب من أكثر الإضطرابات النفسية شيوعاً بين البالغين حيث تصل نسبة الإصابة بالإكتئاب في وقت ما من حياة البالغين (20%) لدى الإناث و(10%) لدى الذكور) محمد عبد الفتاح).

و تبدأ الإضطرابات الوجدانية عادة  ما بين سن 20  40 سنة بنسبة قد تصل إلى50%  وإن كان الإضطراب ثنائي القطبية يظهر مبكراً عن الإكتئاب . يزداد الإستعداد البيولوجي للإكتئاب الجسيم مع السن ، وتجعل العوامل الإجتماعية والضغوط الإضطرابات أعلى بين الشباب .الإضطرابات الوجدانية  أعلى في الرجال بين سن 14- 44 ، بينما أكثر في النساء بين 24-34 سنة.

توجد اسباب تؤهل المرأة بدرجة أكبر للإصابة بهذا الاضطراب منها أن النساء أكثر تعبيراً عن إنفعالاتهن من الرجال، ولذا فإنهن يظهرن الحزن والتعاسة أكثر من الرجال , ولأسباب مجتمعية تركز على تخلف المكانة الاجتماعية للمرأة وعلى الأدوار الاجتماعية وما تتركه من آثار فى حياة كل من الجنسين فالسبب هو ما تتعرض له المرأة من ضغوط خاصة بها والشعور بالعجز أو القهر في بعض المجتمعات،. وأخرى أنها أسباب بيولوجية( ما تتعرض له من تغيرات هرمونية مع الدورة الشهرية أو مثل الحمل والولادة)، وأخيراً تفسيرات تقوم على معطيات التحليل النفسي فيما يتعلق بالنمو النفسي للمرأة .

ومن حيث النظرة الجديدة والمعاصرة فإن الاكتئاب يعتبر ناتج عن نقص او عدم توازن بالمواد الكيميائية الموجودة بالمخ والجسم كافة. هذه المواد تسمى نويروترانسميترات ( ناقلات كيماوية بين عصبية مثل سرطونين، نورابنفرين ودوبامين ) .

وهذا المرض يصيب الجسم كله : فهو يساهم في رفع نسبة التعرض لمرض القلب، يخل بعمل جهاز المناعة وأمور أخرى . بالاضافة الى ذلك كلما بقي الشخص المصاب بالاكتئاب فترة اكبر من دون علاج، زاد وضعه سوءاً وقل احتمال تخلصه من المرض نهائياً . دون علاج للاكتئاب قد تتفاقم الامور وتؤدي لمشاكل عائلية واسرية (على الاغلب مشاكل بالحياة الزوجية)، مشاكل بالعمل ومع الاسف فان البقاء  دون تلقي العلاج قد يؤدي للتفكير بالانتحار .

اعراض الاكتئاب

احد الاعراض المعروفة عن الاكتئاب هو الشعور العميق بالفراغ والحزن . في حالات كثيرة ترافق الاكتئاب بعض المؤشرات الجسمانية مثل : الام في الظهراو ارهاق دائم . معظم الناس الذين يعانون من حالة الاكتئاب يشكون من العصبية والتوتر، وهذا المزاج السيء لا يبقى في مستوى الالم النفسي وانما منهم من يصرح عن حالة جسدية سيئة بشكل عام، ومن المتوقع ان حالة الاكتئاب قد تؤثر سلباً على كافة الاجهزة في الجسم .

ومَن يعاني من احد هذه الاعراض في فترة ما بين اسبوعين او اكثر، مما يشوش نمط حياته بوضوح، فمن الممكن ان يكون مصاباً بالاكتئاب ولذا يجب مراجعة طبيب نفسي دون الحرج او التردد او الاستخفاف بالحالة.

طرق العلاج

أ‌)   علاج بأدوية مضادة للاكتئاب :

وهي ادوية مانعة \مضادة للاكتئاب تساعد على توازن العمليات البيوكيميائية في المخ . هذه الادوية غير فعالة بشكل فوري، وعلى الغالب تحتاج الى فترة ما بين اسبوعين الى اربع اسابيع حتى يبدأ تأثيرها . وكأي دواء آخر، قد تكون لهذة الادوية اعراض جانبية (جفاف الفم، خمول، فقدان الشهية وزيادة التعرق). في هذه الحالة يجب الاخبار فوراً عن كل عرض غير اعتيادي لجهة طبية مؤهلة . ان الاكتئاب مرض دينامي قابل للتغير ، وفي الاحيان قد تؤدي هذه الاعراض الى وضع سيء جداً، لدرجة انها قد تؤدي بالشخص أن يفكر بافكار انتحارية ,ومن الواجب اخبار الطبيب فوراً حول أي تغير بالتصرفات، مثل قلق زائد، عدم هدوء نفسي، خوف، ارق وصعوبة في النوم، عصبية ، عدوانية  وهجومية زائدة، اندفاع، عدم راحة او انفعال زائد وحركة زائدة . ان تطور واحدة او اكثر من هذه التغيرات او الشعور ببعضها بشكل مفاجئ،  قد يشير الى خطر التوجه للافكار الانتحارية والتصرفات الغير رزينة . اضافة الى ذلك وفي بداية كل علاج بواسطة الادوية ضد الاكتئاب، من المهم التبليغ للطبيب الشخصي عن الاعراض الطارئة ، وايضاً في كل مرة يتم فيها تغيير عدد الجرعات او نوع الدواء.

ب‌)    علاج نفسي :

هناك انواع عديدة من العلاجات النفسية الملائمة للمصاب بالاكتئاب . من العلاجات التي حازت على الدعم الاكبر من جانب البحث العلمي هي : 

1.    علاج عملي ذهني يركز على التغيير في طريقة التفكير والتصرفات CBT.

2.      علاج يعتمد على الوقوف على العلاقات الاجتماعية للشخص الذي يعاني من الاكتئاب ومعالجة الخلل فيها.

خطوات مساعدة للعلاج 

1.    النشاط البدني : النشاط البدني بشكل منظم له تأثير مثبت في تخفيف الاكتئاب وعلاجه . ينصح القيام بنشاط بدني موجه لمدة نصف ساعة يومياً . بالنسبة لنوع النشاط فيعود للاختيار الشخصي .

2.     دعم افراد العائلة والمقربين : المقصود اشخاص يذكرونك بأنك لست وحدك اثناء سيرورة العلاج والشفاء، ويبعثون فيك الامل بأن الشفاء ممكن . قد يكون شخصاً مقرباً يساعدك على تتبع التقدم الذي تحرزه ويلحظ التغييرات التي تطرأ على تصرفاتك التي قد تدل على تراجع في حالتك، شخص يقلل من توترك النفسي بواسطة تقديم مساعدة فعلية في المهمات اليومية، ويساعدك على ايجاد معالج مناسب ويرافقك الى لقاءات العلاج .

3.      كتابة مذكرات يومية : من المهم المداوم’ على العلاج المخصص لك من قبل الطبيب المعالج واتباع تأثيرات هذا العلاج على الاعراض الحسية والجسدية عندك . طريقة ناجعة للقيام بذلك هي اللجوء لكتابة يوميات  اذا كنت تستصعب ان ترتب اليوميات كما يجب، قم بالاستعانه بشخص قريب منك والذي بإمكانه دعمك.

 

التوصيات:

1.    يحتاج المجتمع العراقي لوضع استراتيجية وقائية قومية للتحكم في الإضطرابات الاكتئابية حيث أنها تمثل عنصر فقد هام للإقتصاد القومي ، فهي أكثر انتشاراً بين الشباب ، كما أنها في إزدياد على المستوى المحلي والعالمي.

2.    تفعيل دور الأخصائيون النفسيون في المدارس ومراكز الشباب بهدف التعرف على الأعراض الإكتئابية قبل أن تتحول إلى متلازمة أو إضطراب.