ساعات عاشها الطيار الخاص للرئيس "عبدالسلام عارف" في محاولة "عارف عبدالرزاق" الإنقلابية الأولى


لقد نشر لي هذا الموقع الأغر شهادات متلاحقة كنت قد أعدتها خلال لقاءاتي عام (1997) مع من عاش ساعات المحاولة الإنقلابية (الأولى) للسيد "عارف عبدالرزاق" أو خطط لها ونفّذها، والتي سلّطت أضواء مضافة نحو تلك المحاولة الفاشلة.
وفي حينه إبتغيتُ التعمّق عن كثب في أمور تلك المحاولة وأحداثها، فزرتُ خلال العام ذاته صديقي المقدم الطيار المتقاعد "عدنان أمين خاكي" بإعتباره الطيار الخاص الذي نقل الرئيس "عبدالسلام محمد عارف" بطائرة "الرف الجمهوري" أثناء سفره من "بغداد" إلى "الرباط" لحضور إجتماعات "مؤتمر القمة العربي/3"، وكذلك خلال عودته منها إلى "القاهرة".فكان معه هذا حديث شَيِّق في مسكنه بحيّ الضباط/اليرموك مساء (الأربعاء-14/5/1997)... وأدناه (ملخص) عما تكرَّم به مشكوراً:-
((تشكيل الرف الجمهوري
في عام (1964) أُنتُقِيتُ -وأنا رائد طيار- ضمن مجموعة من الضباط الطيارين المتخصصين في طائرات النقل العسكرية، وكنتُ أقدمَهم رتبةً، وقتما تقرر -بعد تسنّم "عميد الجو الركن عارف عبدالرزاق" منصب قائد القوة الجوية- إقتناء طائرتَي نقل سوفييتيّتين من طراز (TU-124) ذات المحركين النفاثين، وذلك لتحقيق طيران مباشر (من دون توقّف) بين "بغداد" و"القاهرة"، وأُوفِدنا إلى "الإتحاد السوفييتي" وتدرّبنا هناك على قيادتهما وإدارتهما قبل أن نطير بهما إلى "بغداد" أوائل عام (1965)، حيث تم تحديد طياري "الرفّ الجمهوري" بالأسماء... وهم:-
1- الرائد الطيار عدنان أمين خاكي - آمراً للرفّ.
2- النقيب الطيار مصطفى أحمد سعدالله.

3- الملازم أول الطيار طاهر صالح التِكْريتي.
4- الملازم أول الطيار فؤاد علي القَزّاز.
5- الملازم أول المَلاّح جعفر صادق الشكرجي.
6- الملازم المهندس حسين خيرالله.
وحُدِّدَت مسؤوليتنا في نقل الرئيس "عبدالسلام عارف" خلال سفراته إلى خارج العراق، وكذلك خلال بعض زياراته إلى مدن داخل البلاد عندما تتوفر فيها -أو قريبة منها- مطار صالح لهبوط هذا الطراز من الطائرات.
قيادتي للطائرة إلى "الرباط"
كنتُ قائد الطائرة التي أقلعنا بها من "بغداد" صباح (12أيلول/1965) قبل أن نهبط في "ميناء القاهرة الجوي"، ثم ثانيةً في "طرابلس" للتزوّد بالوقود، قبل أن نبلغ مطار "الرباط" عصر اليوم نفسه، حيث كان في إستقباله عاهل المملكة المغربية جلالة الملك "الحسن الثاني" وكبار مسؤولي المملكة وقادتها.
ومن الطبيعي أن ينشغل "رئيس الجمهورية" بمهماته الرسمية ولقاءاته الهامشية والجلسات الرسمية لمؤتمر القمة العربي/3 المنعقد في "الدار البيضاء"... أما نحن الطيارين والطائفة فقد كنا بعيدين عنه وسط فندق فخم في العاصمة "الرباط".
إبلاغي بالمحاولة الإنقلابية
إنقضت (4) أيام بسلام، حتى فوجئتُ في الصباح الباكر ليوم (الجمعة-17/أيلول) بالملحق العسكري العراقي في "الرباط" وهو يهاتفني طالباً حضوري فوراً في مكتبه، ليخبرني بأن رئيس الوزراء "عارف عبدالرزاق" حاول القيام بحركة إنقلابية، وحينما فشل غادر "بغداد" يوم أمس (16/9) إلى "مصر" مع بعض مؤيّديه؟؟!! وطلب مني تهيئة الطائرة الخاصة لإحتمال عودة "السيد رئيس الجمهورية" إلى "بغداد" سراعاً.
عودة الرئيس إلى "بغداد"
عدتُ إلى الفندق فوراً وأنذرتُ الطائفة، وتوجّهنا إلى مطار "الرباط" الدولي، حيث تجثم طائرتنا وهيّأناها بشكل متكامل... ولكن السيد رئيس الجمهورية قرّر تأجيل مغادرة "الرباط" حتى مساء ذلك اليوم، ريثما تنتهي الجلسة الختامية لمؤتمر القمة مساء اليوم نفسه.حضر الرئيس "عبدالسلام" إلى المطار مع الوفد الكبير المرافق له في الساعة التاسعة ليلاً، ولكن مراسيم التوديع الرسمية لم تنته إلاّ في الساعة العاشرة والنصف قبل أن نقلع ونهبط في مطار "الجزائر" العاصمة بعد منتصف الليل بقليل، ثم في مطار "بنغازي" الليبي فجر (السبت- 18/9) حيث إنزعج "عبدالسلام عارف" كثيراً حين لم يستقبله أي مسؤول ليبي رفيع المستوى، بل صعد إلى الطائرة شخص إعتيادي -لم نعرف منصبه- ليستفسر منه إذا ما كان بحاجة إلى أي شيء؟! لذلك فإنه لم يتحرّك من مقعده ولم ينظر إلى وجه ذلك الرجل طيلة فترة التزوّد بالوقود التي تستغرق حوالي ساعة واحدة.
ولمّا هبطنا في "ميناء القاهرة الجوي" حوالي الساعة التاسعة من صبيحة (18/9) كان في إستقبال السيد الرئيس عدد كبير من المسؤولين يتقدّمهم "المشير عبدالحكيم عامر"... وحال الإنتهاء من مراسيم الإستقبال الرسمية دخل الجميع إلى "قاعة الشرف الكبرى"، قبل أن يغادروها إلى جهة لم أُبلّغ بها، فلازمنا موقعنا قريبين من طائرتنا الجاثمة على أرض المطار.طال إنتظارنا طويلاً حتى حلّ الليل دون أن يكترث بنا أحد، أو يبلّغنا بشيء، حتى سمعتُ من "إذاعة بغداد" أن السيد الرئيس قد هبط في "مطار بغداد الدولي" بالساعة الخامسة من عصر ذلك اليوم.وقد علمنا بعدئذ أن الرئيس"عبدالسلام" قد أقلع من "مطار آلـماظة العسكري" القريب من "القاهرة" بطائرة ركاب (مدنية) مصرية بعد ظهر ذلك اليوم... وآنذاك قررتُ الإقلاع نحو "بغداد" وهبطنا في مطارها الدولي في حدود منتصف الليل.
لم أشأ السؤال عن أسباب عدم عودة رئيس الجمهورية بطائرته الخاصة، ولم أتعرّف على أي من المفارقات التي حدثت... ولكن من المُسَلَّم به أن ذلك الإجراء حصل لتأمين سلامة وصوله إلى "بغداد" بأسلوب أفضل، لا سيّما وأنه لم يَنقَضِ إلاّ يومان على فشل محاولة إنقلاب إشترك فيها مسؤولون كبار في الدولة.
وقد علمتُ في "بغداد" أن السيد "عارف عبدالرزاق" قد إستقلّ مع عدد من زملائه الذين شاركوه في محاولته الإنقلابية الفاشلة، طائرة نقل عسكرية أقلعت من "مطار الرشيد العسكري"، وكانت من طراز "آنتونوف-12/أوكرايينا" عند هروبهم من "بغداد" الى "القاهرة"، وقد قادَها الرائد الطيار "طــــــه أحمد" يعاونه النقيب الملاح "طارق موسى حسين")).
((انتهى حديث السيد "عدنان أمين خاكي"))