الشاهد الذي لم يشهد الحدث
قد يكون الكذب وتزييف الحقائق ديدن بعض من ضعاف النفوس، لاغراض عدة، منها لكسب المال والاخر للظهور بمظهر البطل، وبعضها ليس له غاية سوى الكذب المحض، وحين تواجهه قد لا يعترف بذلك كون هذه الصفة قد اندكت به وأصبحت ملازمة لشخصه.
وهنا انقل قصة عن امرأة قد اثارت الدهشة لمن قرأ عنها، "تانيا هيد" احدى ضحايا احداث (١١) سبتمبر عام ٢٠١١، فهي تروي قصتها قائلة: " كنت اعمل في احدى طوابق برجي التجارة العالمية، وحين الحادث، دفعتني قوة ما هائلة بأن انهض وانتشل نفسي من وسط الحطام والنار، وماكانت تلك الا القوة الروحية لشريكي، فيما كان هو في طريقه الى الجنة "، فقد قتل في المبنى المقابل.
كذلك تقول وفي احدى المؤتمرات وبحضور عمدة نيويورك وطاقم من كبار المسؤولين : " لقد نظرت من حولي وشعرت وكأنني في فيلم رعب، الموتى فوق بعضهم البعض، رائحة الجلد المحترق تنتشر في المكان، وسط هذا الهول كنت افكر في شريكي وذكريات الزواج وتخيلت نفسي وانا ارتدي ثوب العرس واقسم بالأخلاص له".
وقد لفتت نشاطاتها نظر الجميع، حتى انها كانت من الساعين لتشكيل جمعية للاهتمام بضحايا الحادث والتواصل معهم، وكان هذا يثير الدهشة في اخلاص تلك المرأة لقضيتها، ثم انها كانت تجلب الدعم من لدى السلطات، فضلا عن التبرعات مما ساعد في ارتقاء الجمعية الى مستويات من الأداء اكبر من المتوقع، ثم انشأت مركزا لعلاج الناجين.
بعد مرور سنتان من الحادث، قررت انشاء مركز لتدوين شهادات وقصص الضحايا، وهي احداهم طبعا وقد استطاعت التواصل مع الجميع واثبتت فاعلية وتأثير قويين، خصوصا وانها كانت تجلب الدعم لجمعية الضحايا كما اشرنا، مما حذا بهم لاختيارها رئيسة للجمعية، وقد استمر الدعم لهم ماديا ومعنويا.
كان احد الصحفيين قد التقى جميع الناجين تقريبا، وبطريق الصدفة راجع سجلات جميع من التقى بهم، فلفت نظره انه لم يلتقي اشهر ناجية ورئيس جمعيتهم، فأثار في نفسة عدة تساؤلات، خصوصا وانها كانت تتجنب الحديث مع من كانوا معها في نفس مكان الحادث، وانها لم تذكر الكثير عن تفاصيل شريكها  الذي مات، وكان التبرير أن هول الفاجعة وخسارتها لشريكها وتعرضها لحروق في احدى يديها يترك مشاعر حزن عميقة تجنبها الخوض بالتفاصيل.
وبعد أن أثارت الشكوك، فهي احيانا تذكر شريكها بانه كان خطيبها، وفي بعض الاحيان زوجها، كذلك هنالك العديد من الروايات المتضاربة قد ذكرتها بشهادتها، قرر ذلك الصحفي فتح تحقيق بالموضوع، وبعد اعادة المقابلات مع من كان من المفترض قريب من محل حادثها، وأهل شريكها المفترض، وبالاجابة على اسئلة اكثر عمق.
وبعد فترة ظهر التقرير في احدى الصحف يبين فيه، ان تلك المرأة استطاعة خداع الجميع بكل احترافية وذكاء، و أن كل ماقالته محض كذب وافتراء، فهي لم تكن موجودة اصلا في امريكا في تلك السنة، اصولها اسبانية عاشت حياة قاسية في بلدها، واما ماقالته عن ذراعها، فالسبب كان حادث سيارة قد تعرضت له في أسبانيا، وانكر اهل الشخص الذي تدعي بأنه شريكها أي علاقة له بها، كذلك الشركة التي كانت تعمل بها لم تعرف عنها شيء، فقد تبين أنها جاءت للولايات المتحدة للدراسة، وبين فيما بعد انها سليلة عائلة اشتهرت في بلدها بالنصب والاحتيال.
وبعد ان شاع خبرها، هربت الى بلدها اسبانيا مبتعدة عن الاضواء، وبعد مدة وردت رسالة الكترونية مجهولة المصدر، الى من كان يهمه امرها مفادها ان "تانيا هيد" والتي هي في الاصل اسمها "اليسيا هيد" قد انتحرت.
وقد الف بها مجموعة من الكتب منها كتاب بعنوان المرأة التي لم تكن متواجدة هناك: القصة الحقيقية للخداع المُدهش).
أخير نقول كم هو عدد الموجودين امثال تلك المرأة في مجتمعنا عموما والطبقة السياسية خصوصا، و أن كنا نذكر تلك الطبقة بالخصوص كون تأثيرها اقوى واشد من البقية، فهم المؤتمنون على رعيتهم.