على الرغم من الضائقة المالية التي يمر بها البلد إلا أن الحكومة تبذل جهودا ً حثيثة لتوفير الرواتب للموظفين. و لهذا الغرض أخذت الحكومة, المتكونة من الساسة الإسلاميون, قرضا ً من صندوق النقد الدولي, مع العلم أن قروض صندوق النقد الدولي تخضع لدفع الربا و الربا حرام بنظر الإسلام و بذلك يكون قرض صندوق النقد الدولي حرام على كل من جاء به و من يأخذ منه, و لكن الساسة الإسلاميون تغاضوا عن هذا الربا الحرام لضمان أصوات الموظفين في الإنتخابات القادمة لصالحهم. و لغرض تعزيز ضمان كسب أصوات الموظفين تم منحهم سلفة عشرة مليون دينار و إجازة لمدة أربع سنوات براتب إسمي كامل. و هذه كلها في حقيقتها تعتبر رشوة المحرمة إسلاميا ً على الراشي و المرتشي. و أزاء هذه الإمتيازات فإن الموظفين سوف لا يفكرون بتغيير الساسة الإسلاميون في الإنتخابات القادمة لأنه لا أحد منهم كان يأمل بمثل هكذا إمتيازات. فالموظف الذي يرى حكومته تستدين من أجل ضمان راتبه فإنه سيجد فيها الراعي الحنون الذي يجب التمسك و عدم التفريط به. و الموظف الذي يحصل على سلفة عشرة مليون دينار سيكون في قمة السعادة و ممنون لهذه الحكومة التي وفرت له هذه السلفة. أما الموظف الذي يحصل على إجازة لمدة أربع سنوات براتب إسمي كامل و هو جالس في بيته مع فرصة أن يعمل في القطاع الخاص للحصول على مال إضافي فسيكون شاكرا ً لهذه الحكومة التي وفرت له هذا الإمتياز و سيجد الدعوة لتغيير هذه الحكومة ليس إلا ّ هرطقة. أما الناس البسطاء فإن الساسة الإسلاميون سوف يضمنون أصواتهم في الإنتخابات القادمة عن طريق توزيع البطانيات الصينية و تحليفهم بالقرآن الكريم كما حصل في الإنتخابات السابقة. فالبطانية الصينية بألوانها الزاهية و ملمسها الناعم و حقيبتها الشفافة بالنسبة للشخص البسيط هي هبة من السماء تستحوذ على عقله و تجعله طوع إرادة الساسة الإسلاميون واهبوا البطانية و بهذه الحالة تعتبر البطانية رشوة المحرمة إسلاميا ً على الراشي و المرتشي. و الشخص البسيط الذي يحصل على هكذا بطانية سيجد دعوات تغيير الساسة الإسلاميون عبارة عن هلوسة توجب صفع قائلها. أما الحلف بالقرآن الكريم فسيجعل الساسة الإسلاميون خط أحمر لا أحد يفكر بتجاوزه. و لغرض زيادة ضمان حصول الساسة الإسلاميون على أصوات هاتين الفئتين, الموظفون و الناس البسطاء, و سد الطريق على من يريد سماع صوت العقل بضرورة التغيير يجري ترديد المثل الذي يقول "الشين إللي تعرفة أحسن من الزين إللي متعرفة". و كذلك فإن قصة يزيد بن معاوية التراجيدية التي يتم ترديدها دائما ً ستكون وافية لهذا الغرض فهي كالملح الذي يعطي الطعام نكهته و يجعله مستساغا ً للأكل. أما الفئة الثالثة من الشعب، فئة الأشخاص الذين لا يقتنعون بالساسة الإسلاميون, الذين لا يشتركون في الإنتخابات بحجة أن الإنتخابات خاضعة للتزوير و أن نتائجها محسومة سلفا ً و أن الجميع حرامية و بالتالي لا داعي للإشتراك في الإنتخابات فيجري إقناعهم بصواب رأيهم بعدم الجدوى بالمشاركة في الإنتخابات و ذلك لضمان إبعادهم عن إنتخاب البديل عن الساسة الإسلاميون و كذلك لتبقى أوراقهم الإنتخابية جاهزة للإستحواذ عليها من قبل من يملك المال و النفوذ. و هذه الفئة التي تشكل نصف الناخبين تقريبا ً بإستطاعتها تغيير المعادلة و قلب الطاولة إلا أنها تركت الفئتين الأخريتين يقودانها في طريق التهلكة. في الإنتخابات السابقة أعاد الشعب إنتخاب الساسة الإسلاميون بدون أن يحاربوا الفساد فكانت النتيجة إحتلال داعش لأراضينا مصداقا ً لقوله تعالى (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ. هود 117). في الإنتخابات القادمة إذا أصر الشعب على إعادة إنتخاب الساسة الإسلاميون بدون أن يحاربوا الفساد فستكون النتيجة أسوأ من نتيجة الإنتخابات السابقة مصداقا ً لقوله تعالى (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ. الأنفال30)
|