كي لايسود قانون الغاب

 

 

   معلوم ان من أولويات واجبات أجهزة الحماية، هي توفير الأمن والحماية اللازمة كل من موقعه المكلف به، فمنها حماية فئة معينة من المسؤولين، او بناية محددة يقبع فيها مسؤول، أو مرافقته في موكب حيثما ذهب وولى، وهنا بالتحديد يتوجب على أفراد القوة الأمنية، احترام المواطنين وإبداء حسن السلوك معهم، في حال احتكاكهم بهم تحت ظرف ما، من دون التعكز على سلطة الشخصية المكلفين بحمايتها، إن كان وزيرا او رئيس وزراء او رئيس جمهورية. وليس بوسعي في مقامي هذا سوى الألم والحسرة والتوجع بمرارة، لما يحدث بين ظهرانينا في بلدنا، حيث أضحى التهور والخروج عن اللائق من الآداب والأخلاق والأعراف، سمة واضحة وخصلة ملازمة لأجهزة الحماية والمرافقين لأغلب ساستنا ومسؤولينا. إذ لو أردت سرد أحداث الاعتداءات التي قاموا بها، مما أعلنت عنه وسائل الإعلام، لما وسع مقالي ماأسرده وأعده وأذكره، وماخفي حتما كان أعظم!. وبدل استذكار حالات كهذه، أذكر حادثة سجلها لنا التأريخ، كانت قد وقعت في بداية أربعينيات القرن الماضي، لعلني أوفق في توثيقها من جديد، فيتعظ بها من أقصدهم.

   كانت الحرب العالمية الثانية على أشدها بين ألمانيا وبريطانيا، حيث يصل عدد القذائف التي تسقط فوق لندن الى مئتي ألف قذيفة في اليوم الواحد. وفي صباح أحد الأيام كان وزير العدل البريطاني مسرعا بسيارته للوصول إلى اجتماع طارئ لمجلس الوزراء، وصادف أن عبر عامل القمامة الشارع بعربته أمام سيارة الوزير، فاضطر الوزير الى أن يبطئ قليلا، ارتبك العامل لحظتها فدفع عربته بسرعة سببت سقوط بعض القمامة على أرضية الشارع. حاول العامل التوقف لالتقاط الأوساخ وإعادتها الى العربة، ما سبب تأخر سيارة الوزير ثوانيَ قليلة، فقد الوزير أعصابه فأخرج رأسه من نافذة السيارة وقال للعامل: (أحمق). التقط العامل رقم السيارة وقدم شكوى لبلدية لندن .أصدرت البلدية أمرها بعدم رفع النفايات من أمام بيت الوزير، ورفعت الشكوى الى ونستون تشرشل رئيس الوزراء، فطالب الأخير وزيره بالإعتذار للعامل. الذي حدث ان الوزير استقال فورا، وذهب ليقدم اعتذاره للعامل، إلا أن تشرشل رفض الاستقالة! وقال للوزير: لقد قمت بإهانة العامل وأنت بمنصب وزير، ولن أرضى أن تعتذر وأنت شخص عادي، استقالتك معلقة حتى تعتذر وأنت وزير، وحينها سأوافق !اعتذر الوزير، ثم قبلت استقالته. وخلال الأيام التسعة التي استغرقتها هذه القضية، تجمعت القمامة أمام منزل الوزير تلالا، وصارت رائحة الشارع الذي يقطن فيه لا تطاق، ما جعله ينزل كل ليلة لينقل بسيارته الخاصة بعضا منها إلى خارج المدينة!.

    هو نداء الى من شاءت الأقدار ان يعتلوا مناصب مرموقة كانوا يحلمون بنيل عُشر عشرها، والذين من المفترض أن يكونوا مرموقين أيضا شأنا وعقلا وخلقا وأدبا، عليهم أن يعوا أن أية إساءة تصدر من منتسب في إحدى المؤسسات بحق مواطن، تعد أساءة تعود بالسمعة السيئة الى المؤسسة والدائرة والوزارة التي يعمل فيها، الأمر الذي يتطلب الحزم في متابعة المنتسبين وضبط تصرفاتهم من قبل قادتهم وضباطهم ورؤسائهم ومديريهم، وإلا يشتبك حابل الشرفاء بنابل عكسهم، وتختلط حينها طيبات الأخلاق بسيئات الأفعال، ويصبح قانون الغاب هو السائد في وادي الرافدين.

aliali6212g@gmail.com