الطاغية الصغير وعقدة الخوف من الشعب |
لعل نوري المالكي، رئيس وزراء العراق، هو احد الساسة العرب القلائل، الذين صعدوا الى منصة الحكم بسرعة كبيرة، ليصبح وجودهم مقترنا، خلال فترة قياسية، بالخراب الشامل للبلد. فالمعروف عن ساسة المنطقة، ان معظمهم مر بفترة ثورية من نوع ما، خاصة حكام مرحلة ما بعد التحرر من الاستعمار. اذ شهدت الفترة، تطورا عمرانيا وانجازات في مجالات التعليم والصحة وتأسيس الدولة وتقديم الخدمات لشعوبهم، قبل ان تكمل دورة استحالة الحاكم لينشغل بالقمع السياسي وفوبيا الخوف من الآخر. واعني بذلك الخوف من القوى الخارجية (حقيقية كانت او وهمية) وابناء الشعب في آن واحد. اما المالكي، فتدل معطيات سنوات حكمه، بانه احرق المرحلة الاولى، فلا انجاز ولا خدمة، ليتسلق سلم الحكم، ركضا، متحولا من شخص مغمور، لم يسمع به الشعب العراقي قبل عودته مع الغزاة، الى رئيس للوزراء، متكئا اثناء تسلقه على عكازين، أحدهما امريكي والآخر ايراني. في ظل حكومته، شهد العراق الكارثة تلو الكارثة، سواء في فترة وجود قوات الاحتلال مباشرة او اثر انسحابها الجزئي. واذا كان من الصعب القاء اللوم على سياسي واحد بمفرده، خاصة ان عملية الاحتلال السياسية، كانت قد أسست وبنيت على مشاركة احزاب وساسة آخرين، أكلوا من ذات الصحن الطائفي والعرقي الفاسد بذات الشراهة، الا ان المسؤولية الاولى والاخيرة، تقع كما هو متعارف عليه، في جميع انحاء العالم، على الأشخاص الأعلى منصبا في سلم التراتبية الحكومية لاي بلد كان. وغالبا ما يتحمل رئيس الحكومة، على الاقل في الدول ذات النظم الديمقراطية، المسؤولية كاملة في حال حدوث خطأ او خرق أمني او انتهاك لحقوق المواطنين. فاما ان يبادر الى اقالة الشخص المسؤول مباشرة واجراء تحقيق فوري تعلن نتائجه امام الشعب، او يستقيل وحكومته اعترافا بفشله وعدم قدرته على اداء واجبه الذي انتخب من اجله. غير ان ما يبدو بديهيا في الدول الديمقراطية، يتخذ شكلا مختلفا في “العراق الديمقراطي الجديد’، اذ لم يحدث اطلاقا، ان اعترف نوري المالكي بأي خطأ كان خلال السبع سنوات الأخيرة، على الرغم من كثرة الانتهاكات والجرائم بانواعها، بل اصبح المالكي، بحكم منصبه وقواته الخاصة معصوما من الخطأ. كما اصبح بحكم تمارين الكذب اليومية، استاذا في التضليل والقاء اللوم على الآخرين واطلاق تصريحات الاتهام والتهديد والوعيد. ليكون بذلك الفائز الاول على شركائه في العملية السياسية، من البارزاني والجعفري الى علاوي والصدر والهاشمي (المطرود والمطارد حاليا). لجرد مرات التهديد والوعيد المالكية، قمت بطبع “المالكي يهدد’ على آلة البحث غوغل في الانترنت، فكانت النتيجة مذهلة، 7 ملايين و700 الف مرة، هدد فيها المالكي جهة او شخصا ما! وحتى لو افترضنا وجود تكرار في عدد المرات عندما ينقل الخبر، وقمنا باختزال العدد الى الواحد بالمئة او الواحد بالألف حتى الواحد بالعشرة الآف، فان العدد المختزل سيبقى كبيرا، بكل المقاييس السياسية. انه رقم يشير الى اصابة الرجل اما بالضعف الداخلي والشك بكل من حوله، أو انه يطمح الى ان يكون طاغية كبيرا. اقل ما يقال عن اعراضه، انها تستحق النظر، لا لكونه انسانا عاديا بل لكونه يحتل العديد من أعلى المناصب، انها محاولة لفهم نوعية الحكام الذين ابتلينا بهم سابقا ومن سنبتلي بهم لاحقا اذا ما استمر الحال على ما عليه الآن. الملاحظ في تهديدات المالكي أنه يطلقها يمينا ويسارا، ولا يسلم حلفاء الامس او اليوم من تهديداته، فالمهم لديه هو “الأنا’. انها تهديدات تصيب برشاشها كل من يخالفه الرأي او يتهيأ له انه قد يشكل خطرا عليه. ويتقلب بينها، كما وصف المفكر الالماني غوته افعال بعض السياسيين، من جهة الى اخرى، كالمريض المصاب بالأرق، معتقدا انه قد يكون مرتاحا أكثر. من بين كشكول التهديدات اليومية التي يطلقها، لنقرأ: “المالكي يهدد رئيس الوقف السني السامرائي بالاقالة من منصبه’ في 28 شباط/فبراير 2013، “المالكي يهدد بمقاضاة مسؤولين عراقيين قال إنهم أثاروا مؤخراً أحاديث طائفية في الإعلام، واتهمهم بالتسبب في انفجارات ببغداد، في 23 فبراير 2013، "المالكي: يهدد بالقضاء ضد مثيري (الطائفية والفتنة) وضد مهددي (السلم الأهلي العراقي)"، و"المالكي يهدد بملفات" تسقط الكثيرين في 2013/01/25، و’المالكي يهدد باتفاقية أمنية مع طهران إذا لم توقف واشنطن القصف التركي في 3 تشرين الاول / اكتوبر 2012. اما تهديدات المالكي للمتظاهرين والمعتصمين في العديد من المحافظات والمدن، فانها تحتل مساحة كبيرة من خطبه، بحيث تمنح المستمع اليه الانطباع بان الرجل مصاب بهاجس مرضي يدعى "المتظاهرون والاجندات الخارجية"، ولا علاج للمرض غير التخلص منهم بكل الطرق المتاحة. ففي حوار خاص اجرته معه قناة البغدادية، قال مبررا موقف حكومته الرافض لتنفيذ مطالب المتظاهرين: "ان الاجندات التي تقف خلف التظاهرات لا تريد استجابة الحكومة لطلبات المتظاهرين وتنفيذها، لكي لا يتم حل الازمة"، لافتا الى ان "بعض الواقفين خلف التظاهرات يريدون منا تسليم السلطة والذهاب الى السجون ولا يرضون بغير ذلك". ولا يقتصر هاجس التشكيك المتضخم لدى المالكي على المتظاهرين فقط، بل يمتد ليشمل زملاءه في العملية السياسية ومجلس النواب، الذي اتهمه المالكي بانه "يضمر العداء للحكومة، فضلا عن محاولته تعطيل عملها من خلال تشريع القوانين بعيدا عن مشورتها". ويبدو ان عمل مجلس النواب الرئيسي، حسب المالكي هو: "افشال عمل الحكومة واتهامها بالتقصير". والأدهى من ذلك كله ان المالكي يتهم البرلمان بالارهاب، لأنه: "يسعى عكس دول العالم الى عدم مكافحة الارهاب". وهي حالة فريدة من نوعها، ان يقوم رئيس حكومة ما باتهام مجلس النواب، المنتخب مثله افتراضا من قبل الشعب، بالارهاب. فاذا كان المتظاهرون متهمين بالارهاب، وشركاء العملية السياسية والبرلمان كذلك، فمن هو غير الارهابي بتعريف المالكي؟ هل هم اعضاء حزبه فقط؟ والمفارقة ان المالكي لا يفصح، عادة، عن كيفية تنفيذه لتهديداته، بل يبقيها، معلقة في الهواء، او الاصح انه نفسه لا يعرف كيف ينفذها، على الاقل بالنسبة الى شركائه في العملية السياسية. ففي الثاني من كانون الاول/ ديسمبر 2012 هدد المالكي البرلمانيين بانه سيتخذ "إجراءات لم يسبق أن اتخذتها من قبل في حال سحب الثقة مني". ان تهديدات المالكي للمحيطين به، كما يؤكد العديد من المحللين السياسيين، سببها شعوره الدائم بعدم الأمان وانه محاط بالاعداء المتربصين به، ومحاولته تقديم صورة الرجل المضحي والمواصل لاداء عمله "رغم تشكيك المشككين وتهديدات الإرهابيين"، كما يكرر دائما. لكن ما لا يعترف به المالكي هو ان مصدر خوفه الحقيقي ليس شركاءه في العملية السياسية، سواء كانوا سنة او شيعة، عربا او كردا، بل هم ابناء الشعب، عموما، الذين اذاقهم وحكومته وشركاؤه الأمرين واستهان بوجودهم وقدرتهم على نفض غبار الطغيان. |