منذ البدايات الأولى لحياتي ومع نمو إدراكي للحياة وأنا امقت السياسة التي أسميتها ( فن الكذب) وكنت أراها متناقضة تماما مع مفهوم الثقافة التي أسميتها ( فن الحياة ) ..فالسياسي لا يحب المثقف مطلقا لكنه يخشاه باستمرار وغالبا ما ترى السياسي يعمل على إرضاء جهلة المجتمع وهم بالطبع الأغلبية وهذا الأمر لا يتطلب منه جهدا كبيرا في مجمعاتنا العربية لان ابن رشد وضح أسس التعامل مع هكذا بشر وذلك بتغليف مآرب السياسي بغلاف ديني اقرب إلى عواطف هؤلاء .. إذن فالسياسي هنا لجأ إلى الحيلة في تحقيق ما يصبوا إليه لان الدين هو عبادة الله الرحيم الرؤوف العادل والسياسة عبادة الحياة الزائلة لذا نجد السياسي يخلط ما بين هذا وذاك من اجل أن يصل إلى قلوب الجهلاء ومن ثم أصواتهم التي توصله إلى ما يصبوا إليه ومن هنا تبدأ اللعبة التي يتقنها جيدا باستقدام مستشارين يتقنون الحيلة التي توصلهم إلى قلوب رؤسائهم لتحقيق مآرب شخصية زائلة .. فالسياسي يريد أن يعمل ولكن ليس بالطريقة التي يتقرب فيها إلى الله والمستشارين يوصلونه بطرقهم الشيطانية التي يتقنوها إلى ما يصبوا إليه فنراه دائما يضع الأصوات الانتخابية نصب عينيه في كل عمل ينوي القيام به لذا نجده دائما ما يجند الأبواق الإعلامية المأجورة التي تبحث عن المال ولا تفكر بالحقيقة التي يفرضها عليهم شرف المهنة فالكل يستخدم أدواته بإتقان للوصول إلى الأهداف الشيطانية التي يصبوا إليها والمتمثلة بحب السلطة والمال وليس الهدف المعلن بخدمة الناس لوجه الله تعالى.. هذه قاعدة عامة للسياسيين وهناك استثناءات بسيطة أوصلت أصحابها إلى الأفول والزوال من الساحة السياسية لان أصوات الأغلبية مع من يتقن اللعبة ويضمر ما بداخله من مآرب شخصية يحققها بعيدا عن الأضواء...أعود الى الثقافة التي أسميتها فن الحياة لكنني أيضا اعتبرت إن هذا المفهوم ليس عموميا فهناك المثقف الواعي الذي يجند ثقافته لأهداف إنسانية باعتبار إن الثقافة بكل تنوعاتها هي رسالة إلى الناس لنشر الوعي الجمعي الغرض منه إيصال المجتمع الى حالة الرقي في ممارسة الحياة اليومية انطلاقا من الأخلاق التي تتأطر بإطار إنساني والمثقف الذي يستخدم ثقافته في خدمة السياسي لا يمكن أن نسميه مثقفا لان عمله في خدمة السياسي ينطلق من تحقيق مآرب شخصية شاذة لا تتوافق مع مبدأ نشر الوعي الذي يعلنه باستمرار وفي هذه الحالة نجد أن لعبة القط والفأر هي التي تجد طريقها بين السياسي وهذا النوع من المثقفين فالسياسي يخشى المثقف ويتعامل مع بحذر شديد وسخاء لا ينضب وهنا يحقق كل منهما غايته .. هذا يكذب وذاك يتملق وبين هذا وذاك تكتمل أصول اللعبة التي أسميتها فن الكذب..أما المثقف الحقيقي صاحب الرسالة الإنسانية والذي يؤمن بان الحياة يجب أن تستمر وفق المبادئ الإنسانية فتجده منبوذا من السياسي ومحسودا من الجاهل الذي يريد أن يمتلك الثقافة دون عناء ودون أن يغير ما بداخله من أدران اجتماعية متراكمة لذا نجد بان المثقف الذي يؤمن بان الثقافة هي فن الحياة يعيش في بحبوحة ضيقة يكتنفها العوز الدائم وهذه العملية مقصودة بالتأكيد من قبل السياسي الذي يريده دائما أداة طيعة لنواياه المشبوهة من اجل ضمه إلى فيلق المطبلين والمصفقين لانجازاته الورقية ...إذن في مجتمعاتنا لا حياة لمن يحبون الحياة وكل شئ متاح لمن يمتلكون فن الكذب.
|